فتحت إقالة الفريق محمد مدين، الملقب بـ"الجنرال توفيق"، مدير
المخابرات الجزائرية، الأحد، بابا واسعا للقراءات والاستشراف بشأن مستقبل بلد، التصقت به فكرة أن من يحكمه هم رجال المخابرات، وليس المدنيون.
لكن الرئيس الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة، محى هذه الصورة، بإقالته أقوى رجل في المخابرات ويلقب بـ"صانع رؤساء الجزائر"، على الأقل من هنا فصاعدا، بعد أن أنهى مهامه، وعين بدله، الجنرال عثمان طرطاق الملقب بـ"البشير".
ومهما اختلفت التحليلات بشأن خلفيات إقالة الجنرال القوي طيلة ربع قرن كاملة، فإن أغلب التحاليل تشير إلى أن الرئيس بوتفليقة يحضر لمفاجأة أكثر أهمية وهي تنظيم انتخابات رئاسة مبكرة. وكان هذا المطلب، مرفوعا من طرف أحزاب المعارضة، منذ أزيد من عام.
هل فعلا أن الرئيس بوتفليقة أقال الجنرال توفيق، أم أن الأخير، قدم استقالته؟ بعض التقارير تقول إن مدير المخابرات الجزائرية، هو من استبق للتنحي، وكان ذلك قبل عشرة أيام، حينما قدم استقالته للرئيس بوتفليقة وقبلها هذا الأخير.
لكن سؤالا كهذا لم يعد يهم الجزائريين والطبقة السياسية، بقدر ما يفرض سؤال آخر نفسه: كيف سيكون مستقبل الجزائر على المدى القريب بعد هذا "الزلزال السياسي" الذي أحدثه رئيس البلاد بعد أن تمكن من إزاحة واحد ممن فشل سابقوه في تنحيته، وظل الكثير من المسؤولين بالجزائر، يعلقون شماعة الخيبة على "ازدواجية القرار" بأعلى هرم السلطة، طيلة أكثر من 25 سنة؟
العديد من القراءات رجحت وبقوة، أن يكون "الزلزال السياسي" المتمثل بإقالة قائد المخابرات بالجزائر، مؤشرا قويا لدخول البلاد مرحلة جديدة، تكون اللجوء إلى تنظيم انتخابات رئاسة مبكرة، بدايتها، نظرا لمرض الرئيس وعدم قدرته على الظهور بانتظام ومخاطبة الشعب.
يقول جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" الحداثي المعارض، إن "رحيل الجنرال توفيق مقدمة لتغييرات سياسية عميقة قادمة.. ولا يستبعد أن تكون مسألة ترتيب خلافة بوتفليقة على رأس هذه التغييرات".
وقال جيلالي في تصريح لصحيفة "
عربي21" الأربعاء: "لا أستبعد أن يكون قرار تنحية الجنرال توفيق اتخذ بعد تسوية بين الرئاسة وقيادة الجيش، ويدخل ذلك ضمن مخطط يتعلق بتدشين مرحلة جديدة، وهو ما يؤشر على أن تغييرات عميقة قادمة، وأولها ما يتصل مباشرة بخلافة رئيس الجمهورية".
ويوافق المحلل السياسي، حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف، على الفرضية التي طرحها جيلالي سفيان، إذ إنه قال بتصريح نقلته صحيفة "الخبر" الجزائرية، الثلاثاء، إن "إزاحة الجنرال توفيق من المشهد تمثل تحديا إضافيا للرئيس ومحيطه، لأنهم لن يتحججوا بعد اليوم بتعدد مراكز القرار السياسي والاقتصادي". ويرى عبيدي أن بوتفليقة "حقق حلمه الأول بتوقيع قرار إقالة توفيق، وبقي الثاني، مغادرة قصر المرادية و هو رئيس للجزائر". وشرح قائلا: "تأكد أن مرحلة الإعداد لما بعد بوتفليقة قد بدأت".
وقال عبيدي إن "فترة بوتفليقة هي فترة الفرص الضائعة لبناء دولة قوية. أضاعت فرصة مداخيل قوية، فرصة الخروج والتعافي من العشرية السوداء، وفرصة شعبيته العالية في عهدته الأولى، وأخيرا فرصة التحولات التي تعرفها المنطقة العربية".
لكن محمد دويبي، أمين عام
حركة النهضة، لم يقدم إقالة الجنرال توفيق، كبادرة لتغييرات قادمة، وقال بتصريح لصحيفة"
عربي21"، الأربعاء إن "رحيل الـجنرال، يندرج في سياق نهاية مرحلة وبداية أخرى جديدة"، وطرح دويبي سؤالا مفاده: "هل ستلي هذه التغييرات تحولا في السياسات أم لا؟"، بينما أجاب بأن "التغيير الذي يشمل الأشخاص لا يهمنا كثيرا".