نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للصحافية رولا خلف، التي كتبت ساخرة: "الآن أعرف من هو المسؤول عن التوتر على مستوى العالم، سواء كان الاقتصاد الصيني المتأرجح، الذي تسبب بتراجع أسواق الأسهم حول العالم وهلع المستثمرين، أو الحرب في الشرق الأوسط، التي تسببت بإغراق الشواطئ الأوروبية باللاجئين.. إنها المؤامرة العالمية ذاتها، إنهم الصحافيون بأقلامهم ولوحات مفاتيح الحاسوب، بكاميراتهم وهواتفهم الذكية، شاهرين قوتهم الخارقة القادرة على التدمير على عالم كان لولا ذلك سيكون منظما ومزدهرا".
وتضيف الكاتبة: "هذا ما تحاول المزيد من الحكومات إقناع الناس به، ويكفي أن ننظر إلى الهجمة على الإعلام في الأيام القليلة الماضية. فقد هاجمت السلطات الصينية الصحافيين بزعم إذكاء الشائعات، ما أدى إلى تراجع أسواق الأسهم. إنهم يريدون أن يعتقد شعبهم بأن وانغ زياولو، -وهو أحد أكبر الصحافيين في مجلة المال (كايجنغ)-، كان يؤلف القصص حتى تتراجع أسعار الأسهم، وحتى أنهم جعلوه يقدم اعترافا بما اقترفه للجمهور على التلفزيون المركزي الصيني (سي سي تي في)".
وتشير الصحيفة إلى أنه وبعيدا عن الصين، فقد حكمت محكمة
مصرية على ثلاثة صحافيين يعملون مع قناة "
الجزيرة" الإنجليزية بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بتهمة نشر أخبار كاذبة. وترى خلف أن هذه القضية، التي تمت متابعتها وشجبها على نطاق واسع، تسلط الضوء على
القمع الخطير في مصر، في ظل الحكومة التي يدعمها العسكر.
ويورد المقال أنه في أذربيجان قد تم الحكم بالسجن لمدة سبع سنوات، بتهمة الهروب من دفع الضرائب، على صحافية كانت تحقق في مسائل اختلاس على مستوى عال.
وتقول الكاتبة إنه "في تركيا، حيث يتخيل الرئيس رجب طيب أردوغان دائما أن الإعلام الأجنبي يسعى إلى تقويض نظامه، تم اعتقال صحافيين يعملان مع (فايس نيوز) ومنسقهما، ووجهت لهم تهمة العلاقة بتنظيم إرهابي. وأغلب الظن أنهم كانوا يقومون بعملهم، وهو نقل أخبار حساسة سياسيا تتعلق باشتباك القوات الأمنية التركية مع حزب العمال الكردي المحظور".
وتجد خلف أنه يبدو سخيفا قيام الحكومات بعقاب المراسلين الصحافيين في عصر أصبح تداول المعلومة فيه أمرا سهلا، حيث أصبح يتزايد الاعتماد على "المواطن الصحافي"، وشبكات التواصل الاجتماعي كونها مصادر للأخبار.
وتستدرك الكاتبة بالقول: "يبدو أن العديد من المستبدين إما في غفلة عن التغيرات في العالم، أو يستحوذ عليهم حبهم للسيطرة، لدرجة أنهم غير مستعدين لتغيير عاداتهم. فمثلا يستخدم الزعماء الإيرانيون موقع "تويتر" بشكل كبير، ولكن إيران تبقي هذا الموقع ممنوعا على الناس. كما تم اعتقال مراسلة "وول ستريت جورنال" واتهمت بالتآمر ضد النظام؛ بسبب اختلاط على مصادر أخبار مقربة من المتشددين بين ذكر "وول ستريت" في مقال منشور في مجلة "فوربز" وبين (وول ستريت جورنال)".
وتعرب خلف عن أسفها؛ لأن تكميم أفواه الإعلام أصبح أكثر انتشارا في الوقت الذي حققت فيه التكنولوجيا ثورة في سهولة الوصول للمعلومات.
وتذكر الصحيفة أنه بحسب التقرير السنوي الصادر عن "فريدوم هاوس"، وهو مركز بحث في الولايات المتحدة، فإن حرية
الصحافة تراجعت عام 2014 إلى أسوأ حالتها على مدى أكثر من 10 سنوات، وقد زادت وتيرة التراجع العام الماضي إلى أعلى مستوياتها.
ويذكر التقرير أن نسبة الناس، التي تتمتع بصحافة حرة في العالم، لا تزيد على 14%، وهذا يعني أن هناك فقط واحدا من كل سبعة أشخاص يعيش في بلد "تتم فيه تغطية الأخبار السياسية بشكل جيد، ويضمن فيه أمن الصحافيين، وتدخل الدولة في الإعلام على أدنى مستوياته، ولا تتعرض الصحافة فيه لضغوط قانونية واقتصادية مرهقة"، بحسب الصحيفة.
وتلفت الكاتبة إلى أن التراجع في حرية الإعلام يعود جزئيا للنزاعات المتكاثرة من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا، إضافة إلى التهديد المتزايد من القوى غير الحكومية، مثل المجموعات الإرهابية ومهربي المخدرات.
ويفيد المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن تنظيم الدولة، الذي يدعي إنشاء "خلافة" في مناطق من سوريا والعراق، قد قام بقطع رؤوس الصحافيين، واستخدم الإنترنت للترويج لجرائمه. كما قام متطرفون إسلاميون بقتل الصحافيين في صحيفة "تشارلي إيبدو"، كما قاموا بقتل المدونين العلمانيين في بنغلادش.
وتوضح الصحيفة أنه بينما تشجب الحكومات تلك الهجمات، كما يجب، وتبدي تضامنا مع الضحايا، إلا أن البعض لا مانع لديه من استخدام المحاكم لإسكات المنتقدين في الإعلام أو الضغط عليهم؛ ليقدموا اعترافات مشكوك فيها.
وتخلص خلف إلى أنه بالرغم من سخافة محاولة السيطرة، إلا أن الحكومات لا تستطيع مقاومة الإغراء بتعليق مسؤولية فشلها على من يجرؤ على الكتابة عن ذلك الفشل.