تناول الكاتب البريطاني، بيتر
أوبورن، في مقال له نشره في "ميدل إيست أي"، وترجم خصيصا لـ"
عربي21"، الانتخابات العامة في
بريطانيا، حيث أشار إلى أن المرشح العمالي الذي يتصدر قائمة المتنافسين على زعامة الحزب،
جيريمي كوربين، يحاك ضده مؤامرة، ما سيشكل كارثة على الحياة العامة في بريطانيا.
ويشارك في هذه المؤامرة التي تستهدف النيل من جيريمي وإخراجه من السباق -بحسب أوبورن- وسائل الإعلام الرئيسية، ومعظم أعضاء البرلمان عن حزب العمال، ومعظم المتبرعين له.
ولفت أوبورن -وهو ليس من ناخبي حزب العمال- إلى أن كوربين يكاد يكون أكثر الشخصيات إثارة للاهتمام من بين كل من برزوا على مستوى قيادة الأحزاب السياسية البريطانية منذ سنوات طويلة.
ويعود ذلك -بحسب رأيه- إلى أنه يقف مدافعا عن مجموعة متميزة من الأفكار والمعتقدات التي تؤسس لأجندة جديدة في الحياة السياسية البريطانية، ولو كتب له النجاح في اقتراع الثاني عشر من أيلول/ سبتمبر المقبل، فإنه سيكون أول رئيس حزب بريطاني يأتي تماما من خارج المؤسسة السياسية البريطانية السائدة منذ مارغريت ثاتشر في عام 1975، التي تحدت المنظومة الاقتصادية والسياسية في بريطانيا وأثارت حنق المصالح النافذة داخل حزبها وداخل البلاد بشكل عام، من خلال إصرارها على المضي قدما في ذلك التحدي.
وقال: "مع أنني لا أشترك مع جريمي في كثير من آرائه، إلا أنني أكتب هذه المقالة انتصارا لقضيته ودفاعا عنه، وستكون حجتي مألوفة لدى أولئك الذين يتابعون الأحداث السياسية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي".
ولفت إلى أن القوى الغربية تصر دائما على أنها تدعم الديمقراطية، إلا أن الحقيقة تختلف عن ذلك تماما، فالغرب يرغب في الديمقراطية فقط حينما تنتج الديمقراطية النتائج التي تناسبه، أما عندما ينجم عنها ما لا يسره، فإن الديمقراطية تصبح بالفعل مكروهة جدا لديه، على حد قوله.
تماما مثلما حدث مع الرئيس محمد
مرسي في مصر في عام 2011، فقد أخفق في أن يكون ملائما للأجندات الغربية، فلم يطل به المقام حتى جرف من السلطة بواسطة انقلاب عسكري.
ويرى أوبورن أنه لو أصبح جيريمي كوربين زعيما لحزب العمال، فإنه سيقف مثل الطود الأشم في وجه المنظومة التي تحتكر صياغة السياسة الخارجية لبريطانيا، وفق تعبيره.
وقال: "على مر عقدين من الزمن، اشترك الحزبان الرئيسيان فيما بينهما بالحقائق نفسها، المتعلقة بالسياسة الخارجية البريطانية، وتصرفا بشكل تلقائي كما لو كانت بريطانيا محكوم عليها أن تكون تابعة ذليلة للولايات المتحدة الأمريكية وخانعة لها".
وأوضح أن ذلك يعني "أننا فسرنا الشراكة مع الأنظمة الدكتاتورية في الخليج –مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة– على أنها شيء مركزي بالنسبة لسياسة بريطانيا في الشرق الأوسط، بينما ننحاز إلى جانب الدولة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين"، وفق قوله.
أيا كان الحزب الحاكم، من الناحية الفنية، بقيت السياسة الخارجية البريطانية بلا تغيير أو تبديل. وفعلا، لا يمكنك أن تميز بين دافيد كاميرون وطوني بلير حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. (ولا أدل على ذلك من أن رئيس الوزراء السابق طوني بلير، أصبح بكل بساطة أهم مستشاري رئيس الوزراء الحالي دافيد كاميرون على الإطلاق في قضايا السياسة الخارجية).
ويرى الكاتب البريطاني في مقاله تحت عنوان "سيتحدى كوربين سياسة خارجية مفلسة، ولذلك ينبغي مساندته"، إنه لو أصبح جيريمي كوربين رئيسا لحزب العمال فإنه سيحطم هذا الإجماع.
ويمثل كوربين وفق ما يراه أوبورن "الممانع الذي يتبرأ من أهداف ووسائل ومبادئ السياسة الخارجية البريطانية وينقضها جميعا".
وقال إن الممانعين يكونون في العادة غير محبوبين ويعيشون معزولين، إلا أنه يرى بأنه "إذا ما أردت أن تعرف ما الذي ستكون عليه السياسة الخارجية لهذا البلد بعد عشرين أو ثلاثين عاما، فما عليك إلا أن تتعرف على ما تقوله الأقلية الممانعة الآن."
وأشار أوبون إلى أنه وفق سجل جيريمي كوربين يتضح أنه "عارض هذا الرجل الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، وطالب بفتح حوار مع الجيش الجمهوري الإيرلندي (الآي آر إيه) قبل سنوات طويلة من تحول ذلك إلى سياسة رسمية، وتعرض للسخرية والانتقاص بسبب تحدثه إلى كل من حماس وحزب الله".
وتساءل في هذا الصدد: "أوليس من المفارقات العجيبة والبليغة في التاريخ الحديث أن يكون طوني بلير الآن (كما كشف النقاب عن ذلك مؤخرا موقع ميدل إيست آي) منهمكا في محادثات مع خالد مشعل رئيس حركة حماس، وبدعم كامل من رئيس الوزراء دافيد كاميرون؟".
وختم مقاله مروجا لكوربين بالقول: "سوف يجمع معظم الناس على أنه فيما يتعلق بأعوص وأعسر قضايا السياسة الخارجية في زمننا هذا، كان جيريمي كوربين على صواب وكانت المؤسسة البريطانية على خطأ.. ولا شك في أن كل ما يفعله أو يفكر به جيريمي كوربين اليوم قابل لأن تثبت صحته فيما بعد، وخلال سنوات معدودة".
موضحا أنه يصعب على المؤسسة البريطانية ويعز عليها أن تعترف بأن ما يطرحه جيريمي كوربين بشأن السياسة الخارجية لهو أكثر توازنا وأبعد نظرا، بشكل عام، مما يطرحه معارضوه ومنافسوه.