قال روبرت ساتلوف، رئيس معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن الاتفاق النووي مع إيران هو أكثر من مجرد اتفاق تقني، بل "ورقة استراتيجية تضع الخارطة لبروز إيران كقوة إقليمية، مع المباركة والدعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي".
وبدأ ساتلوف ورقته لتحليل السياسات بالإشارة لتطور القضية الإيرانية، التي بدأت برفع العقوبات مقابل إنهاء البرنامج النووي الإيراني، ثم أصبحت مقابل إيقاف تطوير القدرات المحلية لتخصيب الوقود النووي، ثم تنازلت الولايات المتحدة لإيران عن التعصيب مقابل قيود صارمة، إلى أن تنازلت الولايات المتحدة أخيرا عن موعد انتهاء هذه القيود.
وقال ساتلوف إن "الاتفاق، الذي اعتُبر في الأصل أنه تخفيف للعقوبات التجارية عن البرنامج النووي الإيراني، تطور مع مرور الوقت ليصبح عبارة عن اتفاق لتخفيف العقوبات التجارية مقابل فرض قيود لفترة زمنية محدودة بشأن الخطط النووية الإيرانية الطموحة، تُطبق من خلال نظام قوي من الرصد والتحقق وتحديد العواقب"، مستدركا مع ذلك أنه قد يصب في مصلحة الولايات المتحدة.
وقال ساتلوف إن الاتفاق يتضمن ثغرات كبيرة محتملة فيه، ذكر منها:
-
متى سيدخل المفتشون إلى المواقع المشبوهة؟
أمام إيران مهلة أمدها 24 يوما لتأخير أي مجموعة من عمليات التفتيش. وفي حين قد يستغرق تنظيف منشأة ضخمة لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض أكثر من 24 يوما، إلا أن هناك العديد من النشاطات غير المشروعة التي يمكن لإيران أن تخفيها في غضون إشعار مدته 24 يوما.
- ما هي النتائج المترتبة على الانتهاكات الإيرانية؟
هناك عقوبة واحدة فقط لأي مخالفة سواء كانت كبيرة أم صغيرة، وهي إحالة إيران إلى مجلس الأمن الدولي من أجل "إعادة فرض" عقوبات دولية. وهذا أشبه بالقول بأن أي جريمة سواء أكانت جنحة أو جناية، تلقى عقوبة الإعدام. وفي عالم الواقع، يعني ذلك أنه لن تكون هناك عقوبات على أي شيء أقل من جريمة كبرى.
- ما معنى "إعادة فرض العقوبات" من الناحية العملية؟
لنفترض أن مجلس الأمن الدولي يأمر بإعادة فرض العقوبات. وفقا لما فهمْتُه من قراءة الاتفاق، ستكون جميع العقود التي وقعتها إيران حتى ذلك الحين معفية وبمنأى عن العقوبات. أي إنه يمكننا أن نتوقع اندفاعا نحو توقيع عقود ما بين دولة وأخرى ومع القطاع الخاص، بعضها حقيقي والعديد منها افتراضي، وجميعها مصممة لحماية إيران من تأثير إعادة فرض العقوبات المحتملة، مما يضعف بالتالي من تأثير العقوبات.
وأوضح ساتلوف أن إعادة فرض العقوبات تحرر إيران من كل الانتهاكات الصغيرة والمتوسطة، إذ إن الانتهاك يجب أن يكون كبيرا حقا لينسف مجلس الأمن الدولي الاتفاق ويعيد العقوبات.
كما أوضح ساتلوف أن هناك التزاما بالاتفاق يحظر على موقعيه "إعادة إدخال العقوبات أو إعادة فرضها"، بينما يرد لاحقا في النص أنه ممنوع عليهم "فرض الشروط التنظيمية والإجرائية التمييزية بدلا من العقوبات والتدابير المقيدة التي يغطيها، متسائلا بالقول: "هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة ستقف مكتوفة الأيدي ولن تطبق هذه العقوبات ضد إيران بسبب نشاطاتها العدوانية الأخرى، من الإرهاب إلى انتهاكات حقوق الإنسان؟".
ومقابل الامتناع عن معاقبة إيران على السلوك السيئ، أوضح ساتلوف أن الاتفاق يقتضي التزاما من الولايات المتحدة وشركائها بمساعدة إيران على التطور في مجالات الطاقة والتمويل والتكنولوجيا والتجارة، مشيرا إلى أن هذا سيثير موجة معارضة كبيرة في الشرق الأوسط، حيث تعتبر إيران "وراء قمع الرئيس السوري بشار الأسد الوحشي لشعبه، والتمرد الحوثي ضد سلطة الدولة في اليمن، وتوسيع زحف النفوذ الشيعي في
العراق وأنشطة بعض الجماعات الفلسطينية".
وأوضح ساتلوف أن الاتفاق يعتبر تاريخيا، إذ إنه "يمثل نقطة تحول محتملة في التزام الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أي تحولا من بناء الأمن الإقليمي على فريق من الحلفاء القدامى الذين كانوا أنفسهم خصوما سابقين بعضهم لبعض، أي إسرائيل والعرب السنة، لصالح التوازن بين هؤلاء الحلفاء وعدو الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، أي إيران".
واستدرك بالقول إن هذه الصفقة لا تعني "أن الولايات المتحدة وإيران أصبحتا الآن شريكتين، بل الوضع بعيد كل البعد عن ذلك. ولكنه يبعث بهزات في جميع أنحاء المنطقة حول إمكانية شراكتهما. ولا يتوجّب على إيران دفع ثمن هذا المكسب الاستراتيجي الضخم من خلال تخليها عن اللجوء إلى الإرهاب والتخريب والسياسات الأخرى التي تطرح إشكالية. فالثمن الوحيد الذي تدفعه إيران مقابل هذا المكسب الاستراتيجي الضخم هو تأجيل طموحاتها النووية".
واختتم ساتلوف ورقته بالقول، إن على الولايات المتحدة أن "توضح عيوب الاتفاق الواضحة و تعقيداته. ولا تقل أهمية عن ذلك ضرورة أن تقدم هذه الإدارة بقدر أكبر من الوضوح الأساس المنطقي للميزان الاستراتيجي، أو ربما المنافسة الاستراتيجية، بين حلفاء الولايات المتحدة القدامى وحليفها المحتمل الجديد، الذي يبدو أن هذا الاتفاق يعنيه ضمنيا".