نشرت صحيفة "إلموندو" الإسبانية، تقريرا حول إمكانية تغير علاقة
تنظيم القاعدة بالدول العربية والغربية، ورد فيه أن خطر صعود
تنظيم الدولة في سوريا والعراق وتواجده في دول أخرى على غرار اليمن وشمال أفريقيا، مثّل دافعا للقاعدة ولأعدائها على حد سواء، للالتقاء حول أهداف مشتركة، وتعديل مواقفهم لمواجهة هذا الخطر المحدق.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الدخول في مفاوضات مع
جبهة النصرة وتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية؛ أصبح مسألة وقت لا غير، بما أن الدول العربية أصبحت تنظر إلى هذا التنظيم كحل لاحتواء تنظيم الدولة، ومواجهته بنفس أسلوبه.
وأضافت أن تطورات الأحداث في الشرق الأوسط حولت شيئا فشئيا العدو الأكبر للدول العربية، وهو تنظيم القاعدة، إلى حليف محتمل، وخيار مطروح، في سبيل إيقاف آلة الدمار التي يمثلانها تنظيم الدولة ونظام بشار الأسد.
وأوضحت أنه بالرغم من أن واشنطن وعدة عواصم غربية أخرى لا تزال تصر على أن تنظيم القاعدة لا مكان له في مستقبل الشرق الأوسط؛ فإن بعض الحكومات الغربية الأخرى لم تعد تخفي اعتقادها بأن هذا التنظيم لم يعد يمثل تهديدا كبيرا لمصالحها ورعاياها، بعد ظهور تنظيم الدولة الذي وجه رسالة عدائية لا لبس فيها لكل الدول، بينما لا يزال البعض يصر على أن تواجد تنظيم القاعدة في سوريا واليمن، بالإضافة إلى معاقله التقليدية في أفغانستان وباكستان "يبقى دائما أمرا خطيرا وغير مقبول".
وذكرت الصحيفة أن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط أظهرت تناقضا كبيرا في سياسات الدول الغربية، ففي سوريا تواصل الولايات المتحدة قصف جبهة النصرة بالإضافة إلى تنظيم الدولة، بينما يقوم حلفاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم المملكة السعودية، بمساندة "النصرة" بالمال والسلاح. وفي اليمن تواصل الاستخبارات الأمريكية تسيير طائرات بدون طيار لقنص قيادات تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، بينما يكتفي طيران التحالف العربي بقيادة السعودية بقصف مواقع
الحوثيين، دون المساس بمناطق سيطرة تنظيم القاعدة.
واعتبرت أن تنظيم الدولة نجح خلال وقت قياسي في التوسع على الأرض، واجتذاب آلاف المقاتلين من كافة أنحاء العالم، وهو ينشط اليوم في أكثر من 10 دول، من تونس إلى باكستان، وهي أشياء لم يكن تنظيم القاعدة يحلم بالقيام بها في يوم. كما أن تنظيم الدولة نجح في إدماج مناطق واسعة من سوريا والعراق، مغيرا بذلك من خريطة المنطقة، وهي كلها أشياء تجعل منه خصما عنيدا يحتاج لجهود كبيرة للقضاء عليه، بحسب الصحيفة.
وأضافت أن تنظيم الدولة أصبح يشكل مصدر رعب، بعد أن قام بعمليات تطهير عرقي وطائفي ضد الأقليات من المسلمين وغير المسلمين في الشرق الأوسط، كما أن أخطر تأثير له هو إشعال نار المواجهة بين السنة والشيعة، ما يهدد بنشوب حرب طويلة الأمد بين الجانبين وانقسام في العالم الإسلامي قد يتواصل لعقود.
وفي المقابل؛ فقد اعتبرت الصحيفة أن تنظيم القاعدة تغير كثيرا منذ مقتل أسامة بن لادن، وظهور تنظيم الدولة، وتغيُّر الأوضاع في الشرق الأوسط، متسائلة: "هل ستتغير القاعدة في المستقبل نحو الأفضل أم الأسوأ؟ وهل ستقدر على مواجهة تنظيم الدولة؟".
وقالت إنه من الواضح أن قوة تنظيم القاعدة تراجعت، وأصبحت تقتصر على حضوره في اليمن وسوريا والعراق، بالإضافة إلى فروعه في باكستان وأفغانستان، "ولكن سعيه للنأي بنفسه عن ممارسات تنظيم الدولة، خلقت نوعا من اختلاف المواقف حياله بين الدول العربية والغربية؛ بين من يرى اختلافات كبيرة بين الاثنين، ومن يصر على وضعهما في سلة واحدة.
وذكرت الصحيفة أن الحرب الأساسية التي تخوضها الولايات المتحدة هي ضد تنظيم الدولة، ولكنها تقوم في الوقت ذاته بقصف جبهة النصرة في سوريا، وفرع تنظيم القاعدة بالجزيرة العربية، الذي ينشط في اليمن، "فكلا التنظيمين يسيطران على مساحات هامة من مناطق النزاع، ويعتبران طرفا مهما في الصراع الدائر، ولكن الدول العربية أصبحت تتجنب بشكل واضح استهداف فروع تنظيم القاعدة، بعد أن عدّل هذا التنظيم من خطابه، وأعلن عن أهداف تتماشى وأهداف هذه الدول، ما جعل الطرفين يتحولان من أعداء إلى أصدقاء".
وأوضحت في هذا السياق؛ أن جبهة النصرة أعلنت أن أولوياتها تتمثل في إسقاط نظام بشار الأسد، وهزم مليشيات إيران وحزب الله، وقطع الدعم الإيراني للأسد، وهي بالضبط نفس أهداف السعودية وبقية الدول العربية.
وأضافت أن الدول العربية أصبحت تنظر لتنظيم القاعدة كسلاح فعال في مواجهة تنظيم الدولة وإيران، وهو ما يتناقض مع رؤية وأهداف الولايات المتحدة، إذ يصر
أوباما على أن لا فرق بين التنظيمين، رغم تأكيد أمير جبهة النصرة أبي محمد الجولاني، على أن استهداف الدول الغربية ليس مطروحا ضمن مخططاته في الوقت الحاضر، وإعلانه استعداد "النصرة" للدخول في العملية السياسية بعد سقوط الأسد.
وقالت إن جبهة النصرة ترجمت هذا التغير في خطابها، عبر قبولها الاندماج في أرض المعركة مع فصائل أخرى معارضة، ضمن ما بات يعرف بـ"جيش الفتح"، مشيرة إلى أن "النصرة تعتمد في مواردها البشرية على المقاتلين المحليين، ما يجعلها طرفا مؤهلا للمشاركة في رسم مستقل سوريا، على عكس تنظيم الدولة الذي يعتمد اعتمادا كليا على المقاتلين الأجانب".
وفي الختام؛ اعتبرت صحيفة "إلموندو" أن خيار التحالف مع تنظيم القاعدة يبدو أكثر واقعية، نظرا لفشل الإستراتيجية الأمريكية في توحيد السنة والشيعة ضد تنظيم الدولة، وفشلها أيضا في دعم المجموعات "التي تعتبرها معتدلة" في مواجهة الأسد، "ولذلك فإن واشنطن على يبدو لن تجد مفرا من الذهاب نحو خيار مهين بالنسبة لها، وهو النسج على منوال الدول العربية، ومد يدها نحو تنظيم القاعدة".