كعادته يذهب محمد ناصر، وهو صاحب أرض زراعية في الريف
الحلبي الشمالي، لسقاية حقل البطاطا يوميا، فالمحصول الذي استنزف ناصر ماليا على مدار الأشهر الستة الماضية شارف على النضج، ليفاجأ لحظة وصوله الحقل بأن أوراق البطاطا ذابلة من العطش.
يتجه ناصر نحو خزان الوقود المركون إلى جانب محرك الديزل، لكن شعورا بالخيبة يصيبه لحظة فتحه غطاء الخزان، فالخزان فارغ تماما من الوقود اللازم لإدارة المضخة التي ستخرج المياه من البئر الارتوازي لسقاية الحقل.
يحتار ناصر ماذا يفعل، فكل باعة المحروقات الذين وعدوه بتأمين مادة المازوت لم يفوا بوعودهم، رغم قبوله بالسعر المرتفع الذي عرضوه عليه. يتحسر قليلا ثم يجلس في ظل شجرة قريبة للاحتماء من أشعة الشمس القاسية.
وبعد أن أسند ظهره لجذع الشجرة، يقول لـ"عربي21": "يحتاج محصول البطاطا في هذه الأيام لكميات كبيرة من المياه، وفي حال عدم السقاية فإن الكمية المتوقعة من الإنتاج ستنخفض بنسبة 30 في المئة، وخسارة هذه الـ30 في المئة من الإنتاج تعني خسارة الأرباح، وخسارة التعب في أحسن الأحوال".
ويتابع بعد أن جال بنظره على كامل الحقل: "إن كان
تنظيم الدولة يقاتل فصائل المعارضة، فما ذنب الفلاح والمدني حتى يحرم من المحروقات، التي لا نستطيع العيش دونها".
وعلى مقربة من حقل ناصر، ينتظر الفلاح أحمد كوسا سيارة بائع المحروقات الذي وعده بأن يؤمن له برميلين من مادة المازوت، بسعر 75 ألف ليرة سورية (270 دولار أمريكي) للبرميل الواحد، رغم أن سعر البرميل الواحد كان بحدود الألف ليرة سورية قبل منع تنظيم الدولة دخول المحروقات إلى المناطق الخارجة عن سيطرته في مدينة حلب.
يقول كوسا والحمرة تعلو وجهه: "حتى لو ارتفع سعر البرميل إلى أكثر من ذلك، فلا أستطيع الاستغناء عنه. اللقمة وصلت للفم، والمحصول بحاجة إلى سقايتين فقط، ولذلك أنا مرغم على شراء المحروقات بسعر مرتفع".
ويضيف وهو يعتصر أوراق نبات البطاطا بيديه: "الحرب قذرة لأنها تأتي على الجميع، على كل شيء. ما ذنب هذه الأوراق حتى تموت؟ هذه الأوراق لم تقاتل أحدا، لكن قذارة الحرب طالتها، بعد أن طالت أطفالنا، وبيوتنا وبلادنا كلها".
ويشتهر الريف الشمالي في مدينة حلب، بإنتاج محصول البطاطا الصيفي بكميات كبيرة. ورغم أن الريف الشمالي يعتبر ساحة للمعارك في الوقت الراهن، بين تنظيم الدولة وفصائل من الثوار، إلا أن الكثير من المزارعين قرروا مواصلة عملهم، مبررين ذلك بأن الحياة لا بد أن تستمر.
كما ويقول فلاحون إنهم لم يتمكنوا من حصاد محصولهم من القمح، بسبب نقص المحروقات اللازمة لتشغيل
الحصادات الآلية، علاوة على وقوع الكثير من الحقول في مناطق الاشتباك، وهو ما يعني المجازفة بالحياة في حال قرروا الوصول إلى الحقل، ما دفع بالكثير منهم إلى المطالبة بهدن مؤقتة تمكنهم من جني محاصيلهم التي ينتظرونها بفارغ الصبر.
من جهته، طالب المهندس عرفان داديخي، مدير فرع حبوب حلب الحرة، كل الأطراف المتنازعة بضرورة تحييد المدنيين عن ساحة الصراع، مؤكدا أن الحصار المفروض من تنظيم الدولة على المدنيين أمر خارج عن المألوف.
وقال داديخي في حديث خاص بـ"عربي21"، إن "الكثير من المحاصيل حرقت بسبب تساقظ القذائف الحارقة، قبل أن يتمكن أصحابها من جنيها، وهذا يعد إجراما بحق المدنيين، فالكثير من هؤلاء الفلاحين يعتمدون بشكل كلي على ماتنتجه أراضيهم لتأمين مصاريفهم السنوية".
وقد دخلت فترة منع دخول المحروقات من تنظيم الدولة للمناطق التي تسيطر عليها فصائل الثوار أسبوعها الثالث على التوالي، وهو الأمر الذي يهدد بكارثة إنسانية مالم يتم تداركها.