بشكل مفاجئ، و في تواصل لمسلسل العبث بمؤسسات الدولة، كرم
رئيس الجمهورية التونسية الباجي قايد
السبسي، مطلع هذا الأسبوع، الأمين العام للحزب الحاكم (حزب نداء تونس) -الذي أسسه رئيس الجمهورية نفسه، ومستشاره السابق لمدة شهرين أو ثلاثة- في
قصر قرطاج محسن مرزوق، وذلك بتقليده الصنف الأول من وسام رئاسة الجمهورية التونسية.
وهنا نعيد طرح السؤال الذي طرحه الآلاف من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي عقب "التوسيم"..، المهزلة: ماذا قدم مرزوق لتونس حتى يوسمه مؤسس الحزب الذي نصب، مؤخرا، أمينا عاما عليه.. وبحضور مستشارين وقيادات النداء في "موكب التوسيم"؟!
في الحقيقة ما حدث هو مهزلة وفضيحة دولة بامتياز، وهو تواصل لنهج توظيف مؤسسات الدولة من قبل "قيادة النداء" لخدمة الحزب عبر الدولة! حيث يستغل "جماعة النداء" الدولة ومؤسساتها للعمل على حل "عقدة الحزب" الكبرى -التي لم تمكن لا الموارد المالية الضخمة ولا الدعم المشبوه من مراكز قوى إقليمية ودولية من حلها- والمتمثلة أساسا في غياب شخصية قيادية "مقبولة" -ولو نسبيا- في الأوساط الشعبية، ولها من الكاريزما والمؤهلات، التي تمكنها من قيادة الحزب "المضطرب" خاصة بعد انسحاب مؤسسه السياسي المخضرم قايد السبسي "رسميا" من مهام تسيير وإدارة متناقضات "النداء"!
"توسيم" مرزوق الغريب والمفاجئ، الذي أثار جدلا واسعا في صفوف شرائح واسعة من التونسيين وخاصة الشباب، بسبب ما إعتبره كثيرون عدم وجود "أي مناسبة" ولا "أي عمل وطني خارق للعادة" يجعل من مرزوق مستحقا للصنف الأول من وسام رئاسة الجمهورية التونسية خاصة وأن الرجل لم يقضي إلا بعض الأسابيع كمستشار سياسي في "القصر"!، لا يمكن قراءته إلا في السياق الذي أشرنا إليه في بداية مقالنا..، وهي محاولات قيادة النداء توظيف مؤسسات الدولة، وخاصة "الإمتياز الإعلامي" لأنشطة مؤسسات الحكم، لصنع شخصية قيادية للحزب، و"الدفع الرباعي" بهذه الشخصية لطرحها ربما كبديل عن رئيس الجمهورية، الذي تؤكد عديد التقارير الإعلامية أنه "شبه محاصر" في قصر قرطاج، وأنه أصبح عاجزا عن استيعاب كل ما يحيط به! وطبعا الشخصية التي يحاول "العقل السياسي الندائي"، أو بالأحرى التي يحاول"العقل السياسي الإقليمي والدولي" الذي يحرك النداء "إسقاطها" على التوانسة هو محسن مرزوق..
لا أحد يمكن أن يقنعنا بأن محسن مرزوق ناشط سياسي "عادي"..فالرجل "يقفز" و"يقفز"، ويتجاوز المراحل و"المسارات" بشكل "طوربيدي"، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا بكون الرجل "مسنود" ماليا وسياسيا، وخاصة إعلاميا من "قوى".. لا تدعم مرزوق لأنه "يقبل الأيدي بحرارة" فقط، بل ربما لأن الرجل عبر بشكل أو بآخر عن الاستعداد التام ليكون بن علي "معدل" يحمي مصالح بعض القوى الدولية، بالشكل الذي تراه هذه القوى، مع بعض المساحيق و"عمليات التجميل" على ممارسات الحكم القديمة.
لسنا هنا في باب تحليل "ظاهرة محسن مرزوق" الغريبة، وربما نعود لهذا الموضوع في مناسبات أخرى، لكننا نريد هنا أن ننبه من خطورة توظيف الدولة (نذكر هنا بالاعترافات الموثقة بالصوت والصورة في منابر إعلامية لقيادات "النداء" نفسه بخصوص توظيف "قيادات الحكم" لمؤسسات الدولة في الصراعات التي يعيشها الحزب من فترة إلى أخرى)، في حين أنه من المفترض أن تكون الدولة في خدمة الشعب والسهر على رعاية مصالحه مع الحياد التام في علاقة بالأنشطة السياسية و الحزبية للأحزاب، لا أن تتحول إلى "ميكانيزمات" للعمل السياسي والإعلامي للحزب الحاكم.