من الواضح أن وزير الخارجية الطيب البكوش لم يستطع، منذ تنصيبه على رأس وزارة الخارجية التونسية، أن يكون "رجل دولة" ويتخلص من "نزواته" الأيديولوجية وحساباته الحزبية والسياسية الضيقة عند أدائه لمهامه على رأس الدبلوماسية التونسية.
وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن "شرعية" وجود أمين عام حزب نداء تونس المجاز في الآداب! والمعروف "بــتطرفه" الأيديولوجي على رأس وزارة الخارجية ؟ وعن تبعات مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل التي تهاجم الدول بدل البحث عن سبل التعاون معها ؟ وعن دور مجلس نواب الشعب وخاصة لجنة الحقوق والحريات والشؤون الخارجية صلب المجلس في ضبط بوصلة البكوش، و إيقافه عند حده إن لزم الأمر ؟ وأين مؤسسة رئاسة الجمهورية المسؤولة المباشرة عن السياسة الخارجية لتونس من "شطحات" البكوش ؟!
عديدة هي المواقف والتصريحات العدوانية التي يطلقها الطيب البكوش تجاه "الآخر"، المختلف فكريا معه. إن كان هذا "الآخر" بالداخل أو حتى بالخارج (أطراف سياسية وحتى دول)، و نكتفي هنا بالتذكير بتصريحات الرجل في علاقة بالوضع في مصر وإعلانه عن مواقفه المؤيدة للانقلاب، وتهجمه المتواصل على جماعة الإخوان المسلمين في عديد المنابر الإعلامية وفي "المحافل" الدولية، بأسلوب هو أقرب "للوشاية" و"التحريض" منه لمواقف سياسية "عادية"، وكذلك تصريحات الرجل "الخطيرة" في علاقة بالوضع الليبي ورد مسؤولين ليبين عن هذه التصريحات بأخطر منها!
نتفهم -نسبيا- "حرية" أي طرف في اتخاذ المواقف السياسية و"الاصطفاف" والدخول في "تحالفات مع هذا الطرف أو ذاك، إن كان ذلك في علاقة بالوضع الداخلي التونسي أو الأوضاع الإقليمية والدولية. لكن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر "برجال الدولة" المسؤولين عن كل كلمة وحرف يخرج من أفواههم.
الجميع في تونس أصبح يعلم "من مع من"و "من يعمل لحساب من" و"من يدعم من" والكل يعلم توجهات البكوش و"ميولاته" العلمانية واليسارية "المتطرفة"، لكن هذا لا يهم بقدر ما يهمنا أداؤه في المهمة الموكلة إليه دستوريا، وهي حماية مصالح تونس الخارجية والعمل عبر الدبلوماسية على تعزيز هذه المصالح، لكن هل يحمي البكوش مصالحنا الخارجية عندما يتهجم على الدول دون أدلة ويقدم معطيات "مضحكة" تجعل من تونس أضحوكة بين الأمم (حكاية تركيا والفيزا)!
هل يحمي الطيب البكوش مصالح البلاد الخارجية عندما يتهجم على دولة أقر "زميله" التكنوقراط الذي خلفه في الوزارة (منجي الحامدي)، أنها من بين الدول القلائل التي دعمت تونس فعليا وعمليا في انتقالها الديمقراطي، في حين تكتفي دول أخرى ( قريبة من البكوش ربما) بوعود وكلام "معسول" وشعارات بروتوكولية "لا تودي ولا تجيب" كما يقول أشقاؤنا في مصر ؟
طبعا الجواب عن هذه الأسئلة هو لا وألف لا.. فالبكوش استطاع في وقت قياسي إلى أن يكون ربما رمز من رموز "الفشل" في الدبلوماسية التونسية! بتصريحاته ومواقفه اللامسؤولة تجاه الدول الشقيقة والصديقة، وبغياب أي تصور أو منهجية عمل واضحة ومعلنة لتحقيق مصالح الدولة التونسية عربيا وإقليما ودوليا عبر آليات الدبلوماسية، مقابل تمشي أيديولوجي وحزبي ضيق واضح يحاول توظيف مؤسسات الدولة لخدمة "أفكار البكوش" وأجندات محددة.
كل هذا طبعا في ظل صمت "رهيب" من مجلس نواب الشعب المسؤول بموجب الدستور على مراقبة أداء الحكومة بكل وزارتها إن كان ذلك بالتقييم أو التقويم، أو لفت النظر، أو المساءلة والمحاسبة، وصولا إلى "الجراحة" بسحب الثقة إن لزم الأمر.
ما يفعله البكوش ليس بالشيء الهين؛ فالرجل لا "يلعب" مع أطراف سياسية وطنية مهما كانت حدة الخطاب تجاهها، فإن الأمر يمكن إدراجه ضمن سياق حالة "الاستقطاب" الداخلي الحاد الذي تعيشه البلاد، وما يتبعه من تجاذبات سياسية يمكن أن تعتبر "عادية".الرجل "يلعب" بمصالح تونس الخارجية، وهي مصالح يسهل تدميرها ويصعب إعادة بناؤها في سياق إقليمي ودولي مضطرب، كل شيء فيه مُتغير!
البلاد تعاني أصلا من صعوبات في علاقاتها الخارجية نتيجة حالة اللااستقرار الدولية والأزمات الاقتصادية التي تمر بها أغلب الدول وأكبرها، وهو ما يجعل "الخيارات" أمام تونس محدودة، لذلك فإنه على الأطراف الوطنية كافة وخاصة نواب الشعب، تحمل مسؤولياتهم وتفعيل صلاحياتهم لإيقاف هذا "النزيف" في الدبلوماسية التونسية.