نشرت مجلة "ذا أتلانتيك مونثلي" تقريرا لديفيد غراهام، حول أوضاع مسلمي
الروهينغا في
بورما.
وبدأ الكاتب تقريره بالسؤال الآتي: ما الذي يحصل عندما تقوم الحكومة بعزل أقلية إثنية، وتحرمها من حقوق المواطنة، وترسلها إلى مخيمات اللاجئين، وتغض الطرف عن أي حملة عنف تستهدف تلك الأقلية، وفي المحصلة تعد بطردهم من البلد؟
ويقول غراهام إن "الجواب ليس صعبا: سيبدأ أبناء تلك الأقلية في البحث عن طريقة، أي طريقة للمغادرة، سيبحثون عن طريقة حتى لو عنى هذا الدفع لمهربي البشر ليحملوهم على قوارب متهالكة وبأسعار باهظة إلى أماكن لا تريدهم".
ويستدرك الكاتب متسائلا: "الآن ماذا يحصل إذا قالت الحكومة نفسها إنهم لا يستطيعون المغادرة؟". ويرى أن العالم سيكتشف الجواب قريبا، ولكن من الصعب أن يكون الجواب قابلا للهضم. فبحسب "نيويورك تايمز"، فإن الحكومة البورمية تقول إنها ستمنع المسلمين الروهينغا من مغادرة البلاد. بهذا كان رد الطغمة الحاكمة على الضغوط الدولية خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تقطعت السبل بآلاف الروهينغا في عرض البحر على قوارب مكتظة، دون طعام ولا شراب ولا مكان يستطيعون الذهاب إليه، حيث لم تقبل الدول القريبة بهم، وتقول تلك الدول إنها فقيرة، ولا تستطيع دعم اللاجئين، وتخشى إن سمحت لبعض اللاجئين بدخولها أن يتدفق إليها اللاجئون بأعداد كبيرة.
ويجد التقرير أن ما يحصل الآن هو درس في الآثار غير المقصودة الناجمة عن الضغط الدولي، حيث قام حكام بورما، الذين يتحركون ببطء إلى أحضان المجتمع الدولي، بالاستجابة للمسألة الملحة، ولكنهم لا يفعلون شيئا لمعالجة المشكلة الأعمق.
وتشير المجلة إلى أن الحكومة تصر على أن معظم المهاجرين لا ينتمون إلى ميانمار، وتشير إليهم على أنهم بنغاليون، وتقول إنها ليست لديها أي خطة لتغيير سياساتها التي تجردهم من الحقوق الأساسية، وتبقي 140 ألفا منهم في مخيمات حكومية مكتظة وقذرة.
وينقل الكاتب عن نائب مدير مكتب رئيس ميانمار يو زاو هتي، قوله في مقابلة هذا الأسبوع: "ليس هناك تغيير في سياسة الحكومة تجاه البنغاليين".
ويؤكد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن موقف الحكومة غير تاريخي، فالمسلمون، وبالذات الروهينغا، عاشوا في بورما لوقت طويل. ومع أن أصولهم قد تكون بنغالية، فإن السكان المتواجدين في بورما اليوم يعود وجودهم إلى قرن من الزمان على الأقل، وربما أطول من ذلك بكثير.
وتلفت المجلة إلى أنه حتى يحصل الشخص على الحق في جنسية من الدرجة الثانية، عليه إثبات أن العائلة عاشت في تلك البلد على مدى الستين عاما الماضية. وفي منطقة يسود فيها الفقر، فقد يكون من الصعب العثور على الوثائق من أجل إثبات من هذا الأمر. وفي الوقت ذاته فإنهم يحرمون من التصويت، ومن الحصول على الوظائف المهمة، مثل المحاماة والطب، ولا أحد من جيرانهم، بما في ذلك
بنغلادش، يريد دخول الروهينغا.
ويبين غراهام أنه كان هناك تحذيرات من وقوع عنف إثني في بورما لمدة عقد تقريبا. وفي عام 2013، كانت هناك حملة تعتمد على الأرقام، قادها رهبان بوذيون، أدت إلى موجة عنف ضد المسلمين. وهرب الكثير من بيوتهم، ويعيش الآن ما يقدر بحوالي 140 ألفا في أكواخ مؤقتة. ويعتمدون في حياتهم على المساعدات الدولية، وبعضهم لا تنطبق عليه مواصفات الحصول على المساعدة، وهم بحاجة شديدة إلى العلاج. ولا تسمح الحكومة البورمية أو الجيش لهم بمغادرة المخيمات أو أماكن تجمعهم. واصفا ما يحصل هناك بأنه على الأقل أبارتايد، وقد حذر بعض المراقبين، بينهم الولايات المتحدة، من حدوث إبادة جماعية.
وتتساءل المجلة: "فمن يضغط على الحكومة البورمية؟ فالولايات المتحدة الفرحة بانفتاح العسكر لم تتدخل، أما المجتمع الدولي فيبدو قلقا على المهاجرين على القوارب أكثر من معاناة أولئك الموجودين على الشاطئ، وهو الوضع الذي أدى إلى المأزق الذي يعاني منه الروهينغا اليوم، فهم بين نارين لا يستطيعون البقاء، ولكنهم لا يستطيعون المغادرة. ويبدو أن المعارضة الرئيسة في بورما ليست مهتمة بأن تدافع عن الروهينغا".
ويفيد التقرير بأن ما كان مقلقا بالذات هو امتناع أون سان سو كي عن التدخل، وهي القائدة التي عرفت بشجاعتها السياسية واستقامتها. وقد خيبت الفائزة بجائزة نوبل للسلام آمال الكثير من الناس، الذين اعتبروها بطلة في الدفاع عن حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه من الواضح أنها ليست مستعدة لمناصرة قضية لا تؤيدها غالبية البورميين، ولن تتلفظ بكلمة "الروهينغا"، كما أنها لم تتأثر بالتماس االدالاي لاما بأن ترفع صوتها.
وتختم "أتلانتك مونثلي" تقريرها بالإشارة إلى أن حقيقة عدم دفاع سو كي تبرز مدى العزلة التي يعاني منها الروهينغا، وأنها عزلة ستزيد الآن، وأن وجود معسكرات الاعتقال قصد منها أن تكون تمهيدا للترحيل، فقد أصبحت الآن سجونا دائمة. وفي أيار/ مايو، بينما حاول اللاجئون الوصول إلى ماليزيا، أصر نائب وزير الداخلية الماليزي على بقاء الروهينغا بعيدا، وقال: "أود أن تتم إعادتهم، وأن يعودوا إلى بلدهم". ولكن المشكلة هي أن الروهينغا ليس لهم بلد.