نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريرا حول زيارة الرئيس
السوداني عمر البشير إلى جنوب إفريقيا، وما رافقها من جدل وتكهنات بسبب مذكرة التوقيف الصادرة ضده من قبل المحكمة
الجنائية الدولية، وحاورت الخبير في القانون الدولي، فيل كلارك، حول الأسباب القانونية والسياسية التي عطلت تنفيذ قرار الإيقاف.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن الرئيس السوداني، الملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم تطهير عرقي في
دارفور، غادر جنوب إفريقيا الإثنين، قبل أن يبتّ القضاء المحلي في طلب إيقافه الذي تقدمت به المحكمة الدولية.
وأوردت الصحيفة أن الرئيس السوداني تصرف في هذه الزيارة بشكل طبيعي جدا، وأخذ مكانه يوم الأحد في الصف الأول بين الرؤساء المشاركين أثناء التقاط الصور، في النسخة الخامسة والعشرين من القمة الإفريقية التي انعقدت في جوهانسبورغ، وذلك رغم أن محكمة جنوب إفريقية كانت قد دعت السلطات إلى عدم السماح للبشير بمغادرة البلاد، على خلفية الملاحقات القضائية التي تجريها المحكمة الدولية ضده، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سنة 2009، وارتكاب جرائم تطهير عرقي في سنة 2010.
ورغم قرار المنع من المغادرة، أقلعت طائرة الرئيس السوداني من مطار جوهانسبورغ، دون انتظار تنفيذ قرار المحكمة.
وذكرت الصحيفة أن البشير، الذي يمسك بزمام السلطة في السودان منذ عام 1989، تمت إعادة انتخابه للمرة الرابعة خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، بنسبة 94 بالمائة من الأصوات، في انتخابات شهدت مقاطعة واسعة من قبل المعارضة وانتقادات عديدة من قبل المجتمع الدولي.
وقد أصبح البشير أول رئيس دولة تتم ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية أثناء وجوده في منصبه، بسبب الإتهامات الموجهة له، بالوقوف وراء المجازر التي شهدها إقليم دارفور في غرب السودان، خلال أحداث العنف التي عصفت به منذ سنة 2003، والتي أدت لمقتل 300 ألف شخص حسب تقارير الأمم المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن الخبير القانوني فيل كلارك، أنه كان من المستبعد أن تقوم سلطات
جنوب أفريقيا بإيقاف عمر البشير، حتى إن تلقت الضوء الأخضر من قبل القضاء المحلي، لأن الإرادة السياسية غير موجودة.
فالبشير كان قد رفض تلبية دعوتين لزيارة جنوب أفريقيا في السابق، بسبب تخوفه من أن يتعرض للإيقاف، ولكنه ذهب هذه المرة، لأنه تلقى تطمينات جدية وضمانات حقيقية بشأن هذه المسألة.
ومن المنتظر أن تعلل جنوب أفريقيا قرارها بأنها مجبرة على الترحيب بضيوفها، كما ستقوم بإلقاء المسؤولية على عاتق الاتحاد الإفريقي، الذي يعارض بشدة محاكمة البشير أمام القضاء الدولي.
وقالت الصحيفة، نقلا عن كلارك، إن خصوصية قضية البشير تكمن في أن محكمة الجنايات الدولية تعودت منذ تأسيسها، على ملاحقة قادة المليشيات في أفريقيا، الذين لا يمتلكون أي دعم سياسي أو عسكري قوي. وقد تعرضت لانتقادات كبيرة لكونها لا تتجرأ إلا على الضعفاء. ولذلك تعتبر ملاحقة البشير، وهو في منصب الرئاسة، سابقة في تاريخ المحكمة.
كما أن التهمة الموجهة للبشير، والمتعلقة بالتطهير العرقي، تمثل الأخطر والأشد عقوبة في القانون الدولي.
ورأى كلارك أن ملف عمر البشير يعكس ضعف المحكمة الدولية، التي يمكنها إجراء التحقيقات وإصدار مذكرات الإيقاف، ولكن تنفيذها يبقى رهين الإرادة السياسية لكل بلد.
وذكر أن الحكومة السودانية رفضت منذ البداية التعاون مع المحققين، ومنعتهم من وضع أقدامهم على الأراضي السودانية. وقد تم إجراء كافة التحقيقات من بعيد، بالاعتماد خاصة على المعلومات التي أدلى بها سكان دارفور الذين غادروا البلاد، وهو ما يعني أنه حتى لو مثل عمر البشير في يوم ما أمام هذه المحكمة في لاهاي، فلن تكون هناك أي ضمانات بأن الحجج الموجهة ضده ستكون قوية بما يكفي لإصدار حكم بإدانته.
والدرس المستخلص من قضية عمر البشير، وقضية الرئيس الكيني أوهورو كينياتا المتعلقة بالعنف الطائفي الذي تلى انتخابات سنة 2007، هو أن الحكومات قادرة على تعطيل عمل المحكمة الجنائية الدولية، حسب كلارك.
كما نقلت الصحيفة عن كلارك، أن حالة عمر البشير تبين كذلك ضعف منظمة الأمم المتحدة وعدم قدرتها على دعم القضاء الدولي. فقد اشترط السودان على هذه المنظمة، قبل إرسال قوات حفظ السلام لإقليم دارفور، عدم مساعدة المحكمة الجنائية الدولية، كما أن القانون الدولي يفرض عليها عدم التدخل في الشأن المحلي لأي بلد دون موافقته.
وقد أقرت الأمم المتحدة بأن مساعدتها للمحكمة، بأي شكل من الأشكال، قد تعرض قوات حفظ السلام للخطر، وتؤدي لطردها من البلاد. ولذلك اعتذرت عن مساعدة المحكمة فيما يخص التحقيق أو الإيقاف، وهو أمر اشتكت منه المحكمة في عدة مناسبات.