مقالات مختارة

يا حبيبتي يا مصر يا مصر

1300x600
كتب مشعل السديري: من الأمور التي تفجع وتبعث على الأسى، هي عندما يراجع الإنسان التاريخ ويعقد المقارنات، ثم يشقيه التساؤل.

وإليكم ما قرأته في مذكرات أمير مصري يدعى (محمد علي) -وقد سمي على اسم جده الأكبر الأشهر-.

هذا الأمير ذهب في رحلة إلى الشرق الأقصى عام (1909)، وإليكم ما جاء في انطباعه عن (كوريا) في ذلك الزمن وما قال عنها وعن شعبها:

إنها في غاية التخلف، وأهلها في غاية الكسل، وليس لهم بحرية تجارية، ولا طرق زراعية ولا عمومية، ولا سكك حديدية سوى خط واحد متهالك أنشأته اليابان، وليس عندهم صنائع، وأغلب أراضيهم غير مستصلحة.

ورأينا غالب نسائهم يتقنعن بقناع كسائر نساء الأرياف في القرى المصرية، ويلبسن السراويل، وفي أرجلهن أخفاف باللون الأصفر أو الأحمر.

وعن (سيول) العاصمة، يمضي قائلا: وقد تحادثنا مع صاحب الفندق الوحيد التعيس الذي سكناه وأعتبر أن أحقر فندق بالقاهرة أفضل منه بمراحل، وأظهرنا له مدى استغرابنا مما رأيناه من تخلف ومن قذارة الشوارع، والروائح الكريهة التي لا توجد في أي جهة أخرى، فأخبرني -وهو رجل أوروبي- أن هؤلاء الناس في غاية من الكسل والقذارة، حتى إنك تجد خارج منزل كل واحد مرحاضا بمجرور أمام بيته، وتبقى هذه القاذورات حتى يجيء المطر فيقذفها إلى الخارج، ولولا ذلك لبقيت طول الدهر.. انتهى.

لا أريد أن أسترسل برواية الانطباعات السلبية التي ذكرها ذلك الأمير المصري عن (كوريا) حيث أن حيز هذا المقال محدود.

ولكن، ويا للصدفة، فقد احتفل أهالي حي (مصر الجديدة) في القاهرة، وتحديدا في 23 مايو الماضي بمرور (110) سنوات على إنشائه، أي في عام (1905).

وكيف أن البارون البلجيكي (ادوار امبان) أنشأ ذلك الحي، بمساعدة بعض الشركاء المصريين، وكان بمثابة ملتقى لمختلف الأعراق والأجناس والأديان، وحرصوا على اختيار مجموعة متميزة من المهندسين والمعماريين من مختلف الجنسيات لتصميم وبناء الحي، ما أعطى له طابعا متميزا ونمط حياة الحضارة الأوروبية الحديثة، بداية من تصميم الطرق والشوارع والمباني ذات التصميمات المميزة، فتم عمل شركة إسكان خاصة به، وتشغيل خط مترو سريع لربطه بالقاهرة، نظرا للتوسع العمراني في ذلك الوقت، وأيضاً أنشأ شركة كهرباء، كما افتتح فندق (هليوبلس) الذي يعدّ أرقى من أي فندق خمسة نجوم في أوروبا كلها.

وليس هذا مجال للحديث عن التخطيط المتقدم للقاهرة، الذي بدأ في عهد (الخديوي اسماعيل)، ولا في جمال المباني التي تضاهي باريس، ونذهل عندما نعرف أن القاهرة في ذلك الوقت كان فيها أول شبكة (صرف صحي) في أفريقيا، ولا زالت تعمل حتى الآن.

أما (الإسكندرية) التي كانت تعدّ أجمل مدينة حول حوض البحر الأبيض المتوسط، فحكايتها حكاية.

السؤال هو: ماذا جرى ؟!، وكيف انقلبت الأمور عاليها على سافلها ؟! وما هو (الخلل)؟!

فأين كوريا اليوم، وأين مصر؟!، يا للحسرة!!.

ولا أملك إلا أن أردد مع (شادية): يا حبيبتي يا مصر يا مصر.

ولكن هل هذا يكفي؟!..

(صحيفة عكاظ السعودية)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع