كتاب عربي 21

أين يتجه الخلاف حول الهدنة مع "جيش القبائل"؟

1300x600
علت أصوات بعض المعارضين للهدنة والاتفاق الذي أبرمته كتائب عسكرية منتسبة إلى "مصراتة" مع مكونات اجتماعية وعسكرية من "ورشفانة"، وصبّ بعض الرافضين للصلح اليومين الماضيين جام غضبهم على من شرعوا في الصلح، إثر وفاة فتاة صغيرة يقول هؤلاء أنها توفيت بعد اغتصابها من أفراد ينتسبون لـ "جيش القبائل".

وبرغم موجة الرفض والاجتماعات والبيانات التي شملت قوى عسكرية وسياسية واجتماعية ومدنية في بعض مدن الساحل غرب العاصمة وشرقها، فإن دائرة الداعمين للهدنة والصلح في اتساع؛ وذلك للرغبة الصادقة لقطاعات واسعة داخل جبهة طرابلس وأنصار فجر ليبيا لوقف شلال الدم، والاتجاه إلى مجابهة تحديات أمنية جديدة. 

من جهة أخرى؛ يدعم كثيرون الصلح رغبة في الدفع بالعملية السياسية والحوار الوطني إلى الأمام، فالحوار يتطلب تهدئة واستعدادا للانخراط في توابع التوافق، خاصة وأن الهدنة فتحت أفقا تفاعل من خلاله الأعداء، فشهدت بعض مدن الغرب الليبي خلال الأسبوعين الماضيين بوادر تقارب مثلتها عمليات تبادل الأسرى بين زوارة والزنتان، وجنزور و ورشفانة، وتبعها انسحاب قوات تابعة للزنتان من محور صبراتة، وتراجع كتائب تابعة لجيش القبائل عن بعض مناطق الاحتكاك ضد قوات من الزاوية، ثم البيان حول "تاورغاء" وصدى البحث في أزمة المهجرين وإمكان عودتهم إلى بيوتهم. 

ويبدو أن تصاعد وتيرة المواجهات مع تنظيم الدولة في مدينة "سرت"، والتهديد الذي أصبح يشكله التنظيم لمدينة مصراتة وكتائبها، والمشهد المفزع لإعدام ضابط سابق في باحة مسجد الصحابة في "درنة"، أصبح الأخطر في نظر أهل مصراتة وشريحة واسعة من غيرهم، ويدفع باتجاه قبول حتى بعض المكونات الاجتماعية والعسكرية ممن تحفظوا على الهدنة مع ورشفانة بالصلح، وتوجيه القوة الضاربة إلى الخطر القادم من الشرق.

من ناحية أخرى يتداول العديد من المؤيدين والمتحمسين للهدنة من كتائب عسكرية ونشطاء سياسيين ومدنيين داخل مصراتة، أن خيار الحرب تدافع باتجاهه قوى ورموز سياسية ودينية لأنه يوافق توجهاتهم، وأنهم يزجون بالمقاتلين في الجبهات ليقضوا على خصومهم ليتسنى لهم السيطرة على القرار وعلى مقدرات البلاد. 

كان هذا خطاب لسان حال ومقال قادة الكتائب العسكرية التي شرعت في الهدنة، وتحدث بذلك نشطاء سياسيين ومدنيين في المظاهرات الداعمة للهدنة والرافضة للحرب في المدينة، وهو بعد ينبغي أخذه في الاعتبار عند المعالجة.

ومما يدلل على الأثر الظاهر والقوي لتداعيات الهجمات الانتحارية على عناصر من كتائب مصراتة (القتلى الخمس في تفجير الدافنية من لواء المحجوب الداعم للهدنة والصلح)، التي نفذها تنظيم الدولة ردة الفعل العنيفة من بعض الأطراف داخل مصراتة باتجاه بعض الداعمين لجبهة بنغازي ضد الكرامة. حيث شهدت مصراتة تحركات تنذر بأزمة حقيقية لمجلس شورى ثوار بنغازي.

وينطلق هؤلاء من موقفهم الحاد تجاه مجلس شورى ثوار بنغازي من اعتقادهم أن مجلس شورى الثوار متعاون أو يجاري داعش، ويسكت عن جرائمها الكبيرة، حيث برغم الضغوط على مجلس شورى الثوار وبعض قادته لم يصدر عن المجلس إدانة لسلوك تنظيم الدولة، والتبرؤ بشكل صريح من أفعاله والإعلان الواضح عن رفض عدوانه على مصراتة والكتائب المنتسبة لها، وسبب تردد مجلس شورى ثوار بنغازي في ذلك يعود لخوفه من تصدع جبهة بنغازي ضد حفتر ونجاح الأخير في السيطرة على المدينة.

كل ما سبق يستدعي تناول الموضوع بحكمة، والابتعاد عن التوتير الذي تنتهجه قيادات سياسية وعسكرية بارزة ضمن جبهة طرابلس الرافضة للهدنة والصلح، فالهدنة تشكل فرصة كبيرة لوقف شلال الدم وإيقاف الصراع الدموي الذي لا أفق للحسم فيه، والمطلوب فقط تطوير مقاربة الهدنة والصلح من خلال التوافق عليها من كل الأطراف، ضمن جبهة طرابلس وعملية فجر ليبيا بالشكل الذي يضمن أن يكون الاتفاق صلحا حقيقيا، يخدم الاستقرار ويحافظ على مكاسب الثورة ويعجل ببناء الدولة.

أيضا يشكل نجاح الهدنة وتطويرها إلى صلح حقيقي دفعة قوية لوقف الحرب الدائرة في بنغازي، وتشجيع الفاعلين في المدينة للبحث عن مخرج سلمي للأزمة السياسية والأمنية هناك.