كتاب عربي 21

فلسطين بين المصالحة والوحدة الوطنية

1300x600
يركز الفلسطينيون -على المستويات الشعبية والفصائلية والإعلامية- على مسألة المصالحة بين فتح وحماس، ويتم بذل جهود كبيرة بحثا عن هذه المصالحة التي تبدو متملصة كالزئبق. 

جرت وساطات عدة من قبل دول عربية، ومن أطراف داخلية فلسطينية، من أجل عقد مصالحة تنهي هذا الانقسام المدمر الذي يعاني منه شعب فلسطين، لكن دون جدوى. وفي كل مرة كان يتم عقد اتفاق مصالحة يصاب الشعب الفلسطيني بخيبة الأمل. كان يبتهج الفلسطينيون مع كل صك اتفاق مصالحة بين الفصيلين، لكن فرحته لم تكن لتطول بسبب انقلاب الموقعين على ما وقعوا عليه.

عانى الشعب الفلسطيني من سلوك الفصائل الفلسطينية وسلوك منظمة التحرير على مدى سنوات طويلة، وتدهورت بسبب ذلك ثقة الناس بقياداتهم وبمنظمة التحرير والفصائل الفلسطينية، وأصبح يتحدث الفلسطيني عن اهتمام الفصائل والقيادات بمصالحها الشخصية والحزبية على حساب القضية الفلسطينية. 

وهذا أمر مدمر؛ لأن فقدان الثقة يعني عدم القدرة على صياغة استراتيجيات، وعدم الاطمئنان إلى تحقيق نتائج مرضية يمكن أن ترفع من مكانة القضية الفلسطينية. 

فقدان الثقة يعني تدهور قيمتين أساسيتين في المجتمع، وهما العمل الجماعي والتعاون المتبادل، وما يعنيه ذلك من عدم قدرة على مواجهة التحديات. القضية الفلسطينية قضية كبيرة، واللاعبون فيها كثر وأقوياء، وإذا ضعف الشعب الفلسطيني فإن المجال يصبح واسعا أمام تدخلات الآخرين والعبث في الساحة الفلسطينية.

من الصعب جدا أن تتم مصالحة بين الفصيلين الكبيرين لأسباب عدة، على رأسها التنسيق الأمني بين الفلسطينيين والصهاينة، الذي يلزم فلسطينيين باعتقال فلسطينيين دفاعا عن الأمن الإسرائيلي.
 
وكلما حصل اتفاق مصالحة أفسده التنسيق الأمني، وعادت الساحة الفلسطينية إلى سابق عهدها بالمشاحنات والخصام. وحتى لو تمت مصالحة حقيقية فإن ذلك لا يعني أن الأزمات الداخلية الفلسطينية قد انتهت، ذلك لأن علاقات الفصائل بعضها ببعض تبقى هشة، ويمكن أن تتدهور مع كل تطور -ولو كان خفيفا- في مجريات أوضاع القضية الفلسطينية. 

أي أن مجرد مصالحة بين فتح وحماس لا يضمن أبدا استمرار هذه المصالحة، ولا يضمن مراقبة الفصائل لسلوكها حتى لا يتم إفساد المصالحة.

الفلسطينيون ليسوا بحاجة ماسة للمصالحة بين فتح وحماس، بخاصة أنه سبق للفصائل أن اقتتلت بالسلاح في الأردن ولبنان، ولكن المسيرة الفلسطينية استمرت ولو عرجاء. 

ما كان يحول دون انقسامات طويلة الأمد بين الفلسطينيين في السابق هو تركيزهم على الوحدة الوطنية، وليس على مجرد تبادل القبل في المطارات أو الفنادق. التركيز الآن يبتعد كثيرا عن فكرة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتبقى المصالحة هي العنوان الأبرز في البحث عن انسجام داخلي فلسطيني. 

الوحدة الوطنية تتجاوز الخلافات بين الفصائل، ومن الممكن أن تتطور معايير شعبية وعلى مستوى منظمة التحرير تلزم الفصائل بالتمسك بها كي لا تفرط عرى الوحدة الوطنية. 

ومن غير المعقول أن يستمع المواطن الفلسطيني إلى الكثير من التصريحات السياسية والإعلامية الصادرة عن الفصائل المختلفة عن المصالحة دون أن يرى اهتماما جادا في مسألة الوحدة الوطنية. 

هل الناس مهتمون بوحدة الشعب في كافة أماكن تواجده، ووحدة الفصائل، أم مهتم بمجرد مصالحة بين فتح وحماس؟ وإذا كان للشعب أن يتوحد في الداخل والخارج فإنه لا مفر إلا أن يكتب ميثاقا فلسطينيا يشكل بوصلة لمختلف البرامج السياسية والثقافية والفكرية والنضالية من أجل استرداد الحقوق.

يعبر الميثاق أو الدستور في الدول عن الرؤية المستقبلية للدولة، وعن استراتيجية العمل والأهداف المرجو تحقيقها، والآليات التي يمكن استخدامها للوصول إلى الهدف. ومن الصعب على دولة أو شعب أن يطور رؤية للمستقبل دون تطوير ميثاق أو دستور إلا إذا تطورت لديه أعراف عبر الزمن وأصبحت بمثابة قيم أخلاقية يلتزم بها الناس والأحزاب السياسية والحكام.

تخلى الشعب الفلسطيني عن ميثاقه عام 1996 عندما قررت منظمة التحرير إلغاء عدد من بنود الميثاق الوطني الفلسطيني وتعديل بنود أخرى إلى درجة الإلغاء، وأصبح الشعب الفلسطيني دون بوصلة يتم الاهتداء بها. 

كيف لشعب يبحث عن الحرية، وهو ما زال يعاني من التشريد والاحتلال والقمع والملاحقات، أن يشق طريقه دون دستور يوجه أعماله ومحاولاته لاستعادة الحقوق الوطنية الثابتة؟ 

لا يوجد للشعب الفلسطيني أعراف تشكل منظومة قيمية تجمع الناس والأحزاب حولها، ومن الصعب أن يتم الحكم على سلوك أحد دون وجود منظومة يمثلها ميثاق وطني فلسطيني يجمع عليه الجميع. 

المؤسف أن الفصائل الفلسطينية لا تتحدث عن ضرورة صياغة ميثاق يُطرح على الفصائل وعموم الناس للنقاش، وإنما، كما أشرت أعلاه، تهتم فقط بمسألة المصالحة.

الوحدة الوطنية أهم من المصالحة، والوحدة لا تتم دون ميثاق، والميثاق لا معنى له إن لم تنبثق عنه ومنه محكمة دستورية أو ميثاقية فلسطينية تنظر في سلوك الأشخاص والفصائل التي لا تلتزم ببنوده. 

سبق للفصائل الفلسطينية أن خرقت بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ولم تجد من يحاكمها أو يلزمها بالانصياع لأوامر الميثاق، والمفروض ألا تبقى الفصائل تعمل على هواها؛ لأن هذا الهوى أحدث الكثير من الخراب وما زال يخرب.