مقابلات

خبير: هدف المعارضة المغربية إفشال الانتقال الديمقراطي

تنبأ بحتمية حدوث مؤامرات لن تتوسل فقط بوسائل الديمقراطية الناعمة - أرشيفية
قال إن هناك توافق متقدم بين القصر الملكي وحزب العدالة والتنمية منذ البداية وحتى اليوم
 
  أكد المحلل السياسي المغربي عبد الصمد بلكبير، أن الهدف الرئيسي للمعارضة في المغرب يكمن في سعيها لإفشال وعرقلة استئناف الانتقال الديمقراطي في المغرب على يد الإسلاميين. وهي المهمة التي قال إنها لن تكون سهلة أمام التوافق الحاصل بين العاهل المغربي وابن كيران.

بلكبير مستشار الوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي قال ل "عربي21" في هذه المقابلة، إن ما حدث في المؤتمرين الأخيرين لكل من حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي (معارضة) هو انقلاب هدفه إضعاف حكومة ابن كيران.

وعن سبب اصطفاف حزبين مثل الاستقلال والاتحاد في صف عرقلة الانتقال بعد عقود خلت من النضال من أجل الديمقراطية، قال الأستاذ الجامعي إن الغاية هي استرجاع ما كان بيدهم من مصالح احتكارية، والتي يرى أنها كانت فيها درجة عالية من المداخيل دون مجهود ولا حساب.

 الخبير في الشأن السياسي المحلي والإقليمي، قال إن موازين القوى في المغرب لصالح خيار الاستقرار والإصلاح، لكن ذلك لا يعني لبلكبير أن الصراع توقف، بل قال إنه في احتدام وأن قوى النكوص ستلجئ للوسائل الناعمة وكذا الغير الأخلاقية لاستهداف التجربة الحكومية الحالية.

 وعن مسار الإصلاح في المغرب في صلة بحراك الشارع والسياسة الذي شهدته سنة 2011 قال الوجه اليساري المعروف، إن المغرب أجّل الأزمة، وأن المرحلة انتقالية لم تحسم بعد، وتنبأ بحتمية حدوث مناورات و مؤامرات وحروب وأنها لن تتوسل فقط بوسائل الديمقراطية الناعمة. 

وفيما يلي الجزء الأول من الحوار:

ما قراءتك لموازين القوى في المغرب اليوم في صلة بالحراك الذي شهده المغرب عام   2011 وما أفرز من اصطفافات؟ 

الإطار العام لطرح أي قضية تهم المغرب، لا ينفصل عن الإطار العام للقضايا المطروحة على صعيد المنطقة العربية الإسلامية وعلى صعيد العالم. فهي متفجرة وساخنة ومفتاحية في العالم العربي. وبالطبع المغرب لا ينفصل عن هذا السياق. بالرغم من وجود شروط دقيقة جدا وفيها درجة من التوازن، حيث استطاع المغرب بمبادرة تاسع آذار/مارس ودستور 2011، لا أن يخرج من الأزمة، وإنما يؤجلها، وأن يكيف الوضع بما ينسجم مع مطالب الأطراف المتصارعة .

النتيجة معروفة. الدستور بحد ذاته حقق تقدما والانتخابات والحكومة كذلك. بالطبع هذا الخروج المؤقت من الأزمة، لا يعني أن جميع الأطراف قد قبلت النتائج. الصراع سيستمر بوسائل أخرى، أكثر عنفا وأكثر انكشافا، وهو مرتبط بالأزمات العالمية، خصوصا بين المصالح الأمريكية في المنطقة التي تريد أن تدخل إلى السوق المغربي والسوق اللغوي المغربي والسوق التجاري، خصوصا قضية القطاع العام، كي تساهم به في الخروج من أزماتها.

ثم فرنسا وأتباعها وحلفاؤها في الداخل تريد أن تحافظ على مصالحها في المغرب. الصراع مستمر بين القوى المتنفذة عالميا، لكن هذا لا يظهر إلا من خلال الصراع داخل المغرب بين المحافظين، الذين كانوا يستفيدون من الوضع السابق وخسروا مواقعهم، ضدا على مكتسبات الشعب المغربي خلال المرحلة اللاحقة لدستور 2011، وهذا لا يمنع أن تستعمل بعض الوسائل القديمة والتي رغم أنها تبدو ناعمة لكن فيها درجة من العنف. فقراءة وفاة الزايدي مثلا وعبد الله باها، وإرتباط الموت بالمكان نفسه هدفه الاستدلال على أنه حدث سياسي، فالعنف في الصراع موجود، لكن بوسائل ناعمة. وهذا يعني أن المرحلة انتقالية، لم تحسم بعد. لكن لا ينتظر أن يقتصر في الحسم على الوسائل الديمقراطية فقط (إعلام نزيه، منافسة حزبية، وحياد الإدارة، وانتخابات نزيهة)، لا بد من مناورات، ومن مؤامرات ومن حروب لا تتوسل بوسائل ديمقراطية.

تتحدث هنا عن المحافظين؟

طبعا

طييب ما موقع السلطات العليا في البلد في صلة بالتوجهين الإصلاحي والمحافظ؟

 أرى بأن السلطات العليا في مصلحتها الاستقرار، ولا نظام بدون استقرار. هناك مصلحة مشتركة بين الحكومة على علاتها، من حيث قوتها، لأن خروج حزب الاستقلال، ومناوءات الاتحاد. القوة الموضوعية التي في مصلحتها نجاح الحكومة انسحبت منها وأربكتها.

في مصلحة من تقصد؟

أقصد حزب  الاستقلال من حيث تاريخه، وقاعدته الاجتماعية واستراتيجيته السياسية الأصلية، ومن حيث تقاليده والموقف الحقيقي لمناضليه، وطبيعته. وكذلك الشأن في الاتحاد الإشتراكي.

لكن خروج حزب الاستقلال من الحكومة ما تزال أسبابه الحقيقية غير معلنة حتى اليوم؟

عبد الحق التازي كشف كل شيء.. واضح أنه استعملت وسائل غير أخلاقية للقيام بانقلاب داخل حزب الاستقلال، وذلك من أجل الوصول إلى هدف إضعاف الحكومة من داخلها، عن طريق انسحاب قوة من أهم القوى التي من المفروض فيها أن تحمي الحكومة، لأن ذلك في مصلحة قواعدها الاجتماعية، سواء الطبقة العاملة أو الفئات الوسطى والصغيرة، أو رجال الصناعة والتجارة. الاستقلاليون الآن يشتكون، فعادل الدويري (أحد قيادات حزب الاستقلال) في اجتماعات فاس حول علاقة الأبناك بالمستثمرين العقاريين "يبكي". وهذا أثر على قطاع الإستثمار في العقار، وبالتالي أثر على قطاعات واسعة من الطبقات الاجتماعية (البناؤون والعمال.. ). فلو لم يخرج حزب الاستقلال من الحكومة لما وقع كل هذا.

كيف تفسر تخندق ما يسمى بأحزاب الحركة الوطنية اليوم في صف تيار النكوص بدل الجبهة الديمقراطية التي عرفت بالنضال في صفوفها؟
 
التفسير يوضحه الانقلاب الذي وقع داخل الحزبين عقب المؤتمرين الأخيرين، وهذا ليس بالأمر الجيد في السياسة على الصعيد العالمي. للأسف لاحظنا أن الوسائل الناعمة بدأت تعطي أكلها في الكثير من البلدان (جنوب إفريقيا، فلسطين، أوربا الشرقية..).

ماذا تقصد بالوسائل الناعمة؟

هو التوسل بوسائل تبدو ديمقراطية، من أمثلتها ما وقع في بريطانيا، وما وقع في فرنسا على يد هولاند. هي اتخاذ الانقلابات على مستوى الأحزاب السياسية كوسيلة للانقلاب على صعيد إدارة الدولة وعلى الصعيد الحكومي، والتشريعي والبرلماني، وحتى على صعيد المجتمع المدني ومجالس البلديات.

ما هو الهدف الرئيسي لتلك القوى من وراء تلك المناورات والانقلابات؟
 
هدفها عرقلة وإفشال هذا الاستئناف للانتقال الديمقراطي على يد الإسلاميين، لاسترجاع ما كان بيدهم من مصالح احتكارية، وهذه المصالح كانت فيها درجة عالية من المداخيل بدون مجهود وبدون حساب. في حين، القطاع البنكي الذي كان محتكرا من طرف فرنسا، فالقانون الجديد لما يسمى بالأبناك التشاركية سيفتح الباب لرأسمال آخر غير فرنسي.

تقصد الخليجي؟

هو أمريكي بالخصوص عن طريق الخليج، وهذا سيقلل خسائر فرنسا من سوقها في المغرب.

كيف تقيم مسار التعاقد إن صح هذا الوصف بين القصر وحزب العدالة والتنمية، أو لنقل بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران؟
  
منذ البداية يوجد تعاقد، خاصة أنه حتى في الجانب العقائدي المشكل  غير مطروح بالنسبة للعدالة والتنمية. فالدولة الإسلامية يشخصها أمير المؤمنين. وحيث إنه يوجد أمير المؤمنين ليس هناك مشكل. إذن تبقى المشاكل الأخرى ذات طبيعة ثانوية، أي تكتيكية، في التدبير، وليس في العقيدة أو المبادئ.
إذن هناك أرضية تسمح بهذا اللقاء، ويبدو لي أنه لا في مرحلة الإنطلاق ولا في المرحلة الحالية، التوافق متقدم، لأن تدبير ابن كيران ذكي سياسيا. عندما يتطابق الموقفان تلك هي الفرحة الكبرى، عندما يتقاطعان شيء جيد، أن يتمفصلا لا بأس، وعندما يتعارضان ابن كيران يتنازل. لأن السلطة السياسة والسلطة العليا في يد الملك، وبالتالي فابن كيران لن ينازع الملك، ولن يدخل –من أجل الإصلاح- في نزاع مع المؤسسة المؤهلة لتسهيل أو عرقلة الإصلاح.

أشرت إلى البعد الديني في هذا التعاقد، هل يمكن أن يكون وحده فقط المفسر للتقة بين القصر والعدالة والتنمية؟

هذا يسهل المأمورية، فالسياسية هي التي تفسر كل شيء، لكن الإيديولوجيا تلعب دورا مشجعا أو معرقلا. ابن كيران تقدم كثيرا في المدة الأخيرة على هذا المستوى. وبالتالي يتحدث على أن الملك هو المسؤول عن الجانب الديني والعقيدة وهو المسؤول عن إسلامية الدولة.

في الجزء الثاني من هذا الحوار يتحدث عبد الصمد بلكبير لصحيفة "عربي21" عن الحالة التي يمكن أن يقدم فيها ابن كيران على الاستقالة، كما يتناول رهانات الانتخابات المقبلة وتوقعه لسلوك الإدارة ووزارة الداخلية فيها، كما يحلل مواقف متهمي ابن كيران بالتخلي عن صلاحياته لصالح الملك، بالإضافة إلى قراءته لما باث يعرف بانحطاط خطاب بعض المكونات الحزبية في المغرب، وكذا عن علاقة حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة.