ملفات وتقارير

أم رزق تروي لـ"عربي21" قصة تغريبتها الفلسطينية (فيديو)

أم رزق ذات الـ 98 عاما لا تزال تملك الأمل بالرجوع لأرضها وبلدها - عربي21
لا يعرف محاور أم رزق من أين يبدأ بتوثيق التفاصيل التي عاشتها خلال 98 عاما؛ من يوم خروجها حين تركت إبريق الشاي على النار، أم من يوم تعرفها على أبو رزق في الأرض، أم من دموعها التي ذرفتها وهي تذكره، أم من تجاعيد وجهها التي تحكي كل تفاصيل وقصص وذكريات النكبة ورائحة بيارات برتقال فلسطين.
 
أم رزق، حاجة من مخيم الوحدات في العاصمة عمان تنفض عن ذاكرتها غبار الزمن لتروي ربيع وطن وبيارات برتقال، اختلطت رائحتها مع بحر يافا الذي حمل الخير والغزاة لفلسطين.
 
"يا دار يا دار لعندنا نزورك أنت البحر ونحن طيورك، نشف البحر والطير ولى"،  لا تنفك أم رزق عن ترديد المواويل للوطن، والتحسر على أرض فلحتها و زرعتها متذكرة كلمات عن الأرض لزوجها أبو رزق الذي مات في الشتات وروحه معلقة بقريتهم كفر عانة في مدينة يافا، الذي كان كثيرا ما يردد "فلسطين أرضنا وأرض أجدادنا، هذه أرضي أحرث وأزرع فيها الخضار وكل ما تشتهي العين".
 
تعيد أم رزق شريط الذاكرة إلى عام 1948 عندما قصفت عصابات اليهود قريتها بالمدفعية، لتحمل أطفالها وتخرج كباقي أهل القرية؛ هربا من الموت ومن أنباء أشاعها الصهاينة بعد مجزرة ديري ياسين حول اغتصاب النساء وقتل الأطفال.
 
تروي أم رزق لصحيفة" عربي21" قائلة: "حملت أطفالي في حضني. أخذوا بالصراخ والبكاء من العطش والجوع.  نزلت إلى واد قريب ووجدت القليل من الماء يخرج من الأرض، بدأت بالحفر حتى خرج الماء من الأرض، ملأت إبريقا معدنيا و رويت ظمأ الأطفال".
 
"ساعة زمن ونرجع بس يطلعوا اليهود"، هكذا كانت أم رزق تقنع زوجها ووالدها الذين هربوا لقرية بيت ريما (تابعة لمدينة رام الله)، وتوثق اختطاف يهودي لطفلة فلسطينية، رباها وهي صغيرة ليتزوجها فيما بعد، لتخدم فيما بعد بجيش الاحتلال بينما شقيقها يقطن في الأردن.
 
تستذكر أم رزق أنه بعد مسير طويل على الأقدام ذهبوا إلى قرية عابود (تابعة لرام الله) حيث التقت بالصدفة بأقارب والدتها وأقامت لديهم، إذ بدأت وكالة الغوث حينها بتوزيع المعونة على اللاجئين. دخلت أم رزق بطابور طويل لتحصل على علبة لحم ووقية طحين، أخذت اللحمة وأسرعت لزوجها قائلة "انظر حصلت على علبة لحم!"، دون أن يتمالك نفسه ويضرب رأس أم رزق بعلبة اللحم، مستنكرا كيف يستبدل كل هذه البيارات بعلبة لحم.
 
بعد الإقامة في قرية عابود ضاقت الحياة على أم رزق وأولادها بعد انتشار القمل وقلة المساعدات لينتقلوا إلى الجبل ومن ثم البادية، وبعدها إلى مخيمات في منطقة الكرامة داخل الحدود الأردنية وفي آخر المطاف لمخيم الوحدات.
 
تحمل أم رزق من فلسطين أثوابها المطرزة و مسبحة زوجها الذي توفي منذ ستة سنوات، التي أثارت الحنين لزوج كان يشاركها زراعة وحراثة الأرض، وتستذكره أم رزق التي تكبره بثلاث سنوات كيف نشأت علاقة حب بينهما، عندما تحداها زوجها بمسابقة للمواويل عندما كانا يحرثان أرضيهما المتجاورتين.

تقول أم رزق أنها هزمته بمسابقة المواويل، ليعجب بها و يطلب يدها للزواج رغم اعتراض والدها الذي زوجها رغما عنه بعد ضغط من مختار القرية.
 
تُزين مسبحة زوجها نقودٌ فلسطينية قديمة تعريفة ومليم، وتقول" كنا نشتري بالتعريفة بيضة ووقية سمسم".
 
كما تحتفظ أم رزق بصور فوتوغرافية حديثة التقطها ابنها الدكتور رسمي خير، بعد زيارته لمنزله في قرية كفر عانة قبل سنوات، زيارة كانت مواجهة بين صاحب الحق واللص، إذ يصف رسمي مشاعره عندما طرق باب منزله في القرية ليخرج منه يهودي من أصل عراقي، ليصرخ في وجهه هذا منزلنا، دون أن ينبس اليهودي ببنة شفة، ويسمح لصاحب الحق بالدخول والتقاط صور عاد بها إلى الشتات مرة أخرى.
 
حتى جدران منزل أم رزق في مخيم الوحدات تؤكد حق العودة، خط أبناؤها بالخط العريض  "عائدون 15/5" في إشارة لذكرى النكبة؛ التي هُجر فيها شعب كامل واغتيلت فيها بيارات البرتقال و الذكريات.

ورغم آخر رمق في الحياة، لا تزال أم رزق ذات الـ 98 عاما تملك الأمل في العودة لتزرع و تفلح أرضها في فلسطين.