مع تعطل معظم معامل
الأدوية في
سوريا، إضافة إلى صعوبة إدخال الدواء من المناطق التي يسيطر عليها النظام، فقد انعكس هذا على المريض الفقير بشكل خاص، حيث لم يعد قادرا على شراء الأدوية المفقودة والباهظة الثمن والتي يحتاجها لتخفيف ألمه.
وبالرغم من تقديم المنظمات الطبية للكثير من أنواع الأدوية مجانا في كثير من المناطق التي يسيطر عليها الثوار، إلا أن العديد من الأدوية فقدت بسبب غلائها وبسبب نوعيتها، مع التحكم بسعرها من الصيادلة في مناطق النظام.
ومن هذه الأدوية تلك الخاصة بأمراض
السرطان، فقد أصبح شراؤها حملا ثقيلا على المريض ذي الدخل المحدود في سوريا، بل المريض الذي لم يبق له دخل بسبب الحرب. وبين الأودية المفقودة دواء يسمى "إماتيب"، وهو مفقود في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. كما أن هناك أدوية أخرى قد يتجاوز سعرها الأربعة آلاف ليرة سورية، وهذا المبلغ هو راتب عمل لشخص لمدة أسبوع كامل، وقد يحتاج المريض لأكثر من أربع علب شهريا، مما يخرج هذا الدواء عن قدرة كثير من مرضى الأمراض الخبيثة.
يحاول الكثير من المرضى الاعتماد على الجمعيات الخيرية في شراء الدواء، ولتأمين جزء من الكمية التي يحتاجونها شهريا، إلا أن أغلب الجمعيات والمنظمات الطبية تختص بمساعدة المرضى بالأدوية العامة كالمسكنات ومضادات الالتهاب، وأدوية أخرى للأمراض العامة والمنتشرة، أما الأمراض الخطيرة فقد تضيق دائرة تخصص بعض المنظمات الطبية لتأمين الأدوية والعلاج اللازم لهم.
يروي أحد شهود العيان لـ"عربي21" قصة محمد الذي عانى من مرض السرطان، فعندما بدأت الثورة كان المرض في بدايته، حينها كان محمد يعمل في أحد المعامل الصناعية، وبعد فترة وجيزة استفحل المرض في جسمه، فتكفل المعمل بالأدوية ومصاريف العلاج ومصاريف المعيشة، إلا أن الاشتباكات المسلحة بين الثوار وقوات النظام أجبرت مدير المعمل على الإغلاق.
ولم يعد هناك مورد مادي لمحمد الذي ذهب مضطرا إلى تركيا يحمل آلامه إليها، لكن المشفى هناك اعتذرت عن علاجه، وطلبت منه إكمال العلاج في المشفى الذي كان يعالج فيه سابقا في
حلب، فتوجه محمد إلى مناطق سيطرة النظام، التي يقع بها المشفى الجامعي المجاني التي كانت تعالجه سابقا.
وتلقى محمد العلاج لمدة أسبوعين وثم توفي بعد صراع مع الألم الذي لحقه بعد السفر لمدة 12 ساعة، لقطع المسافات من مناطق الثوار التي يقطن فيها إلى مناطق النظام، بعد أن كان قطعها قبل الثورة يستغرق 10 دقائق فقط.
وفي أثناء نقل جثة محمد من المشفى إلى قريته الخاضعة لسيطرة الثوار، تم اعتقال خاله الذي كان يرافقه في رحلته الطويلة من أحد حواجز الأمن السوري، وتم إرسال جثمان محمد وحيدا إلى قريته.
يوجد الكثير من القصص المشابهة لقصة محمد في مناطق الثوار، بسبب غياب الكادر الطبي والآلات الحديثة والمشافي المتخصصة والأدوية الخاصة بأنواع هذا المرض، فالمريض يختار بين السفر إلى تركيا، أو الذهاب إلى مناطق قوات النظام للعلاج، أو يختار الحل الذي ناسب الكثير منهم، وهو انتظار الموت دون علاج، وهذا ما يصعب كثيرا على من يحمل المرض ويصارع الألم.