قال مراقبون لشؤون
تنظيم الدولة في
سوريا، إنه تعرض مؤخراً لعمليات انشقاق وصلت إلى حد الاشتباكات، مؤكدين أن وتيرة
الانشقاقات عن التنظيم تختلف من فترة لأخرى، "إلا أن أعداد المنتسبين الجدد قادرة على تغطية الفراغ الذي تخلفه" على حد قولهم.
وتعرض التنظيم في سوريا إلى عمليتي انشقاق كبيرتين، الأولى عقب إعلان البغدادي في 8 نيسان/أبريل 2013 حل
جبهة النصرة ودمجها في "
الدولة الإسلامية في العراق والشام"، حيث رفض أمير الجبهة أبو محمد الجولاني وأعداد كبيرة معه قرار الحل، وانقسم التنظيم الواحد إلى تنظيمين، ليتحول الانقسام فيما بعد إلى صراع دموي بين الطرفين.
أما الانشقاق الثاني؛ فكان في بداية الصراع المسلح بين الفصائل الثورية، وبين تنظيم الدولة مطلع عام 2014، إذ فضل كثير من عناصر التنظيم - وخصوصاً السوريين - الانسحاب منه، رافضين رفع السلاح في وجه رفقاء الثورة من الفصائل الأخرى.
يقول أحد المنشقين عن تنظيم الدولة، ويدعى "محمود": "تفاجأت بالحرب الواسعة بين إخوة السلاح، ولم أستطع قتال من كانوا معي في خندق واحد ضد نظام الأسد، لذلك لم أجد حلاً أمامي إلا الانسحاب من التنظيم، ولا سيما أن أخي وأقاربي أعضاء في الجيش الحر".
انشقاقات محدودة
وبحسب مراقبين؛ فإن انشقاقات أخرى محدودة تقع في التنظيم عبر أفراد ومجموعات صغيرة، نتيجة التطورات التي تشهدها ساحة الصراع بين تنظيم الدولة وبين خصومه، ومن ذلك "الانتكاسات التي تعرض لها التنظيم في مدينة عين العرب الواقعة شمال شرق
حلب".
وقال "حسان" العنصر في الجيش الحر بريف حلب، إن المؤسسة الأمنية التابعة للفصائل الثورية في حلب ألقت القبض مؤخراً على كثير من المهاجرين المنشقين عن تنظيم الدولة، في أثناء محاولتهم الهرب عبر مناطق الثوار إلى تركيا.
ويضاف إلى ما سبق؛ الانشقاقات التي وقعت في تنظيم الدولة على خلفية الاختلافات في الآراء الفقهية والعقدية، التي دفعت التنظيم إلى إطلاق حملة "تطهيرية" داخله، ضد "الغلاة" و"التكفيريين" في نهاية العام الماضي.
ويرى "محمد" العضو في تنظيم الدولة، أن "الغلاة يشكلون خطراً على مستقبل الدولة الإسلامية، التي باتت توصف ظلما بدولة التكفير" على حد تعبيره.
من جهته؛ قال "أسامة" الذي يملك محلاً تجاريا في مدينة
الباب، إن تنظيم الدولة "بعد شهر من إعلانه الخلافة في 29 حزيران/ يونيو من العام الماضي؛ أعدم أحد قياديه، وهو أبو عبدالرحمن المصري، بالإضافة إلى خمسة قياديين آخرين؛ لأنهم أبدوا اعتراضاً على فكرة إعلان الخلافة في هذا التوقيت".
وأضاف لـ"عربي21" أن أهالي الباب يذكرون جيداً ما قاله خطيب الجمعة الذي عينه تنظيم الدولة في المسجد ذاته الذي كان يخطب فيه أبو عبدالرحمن المصري، حيث أوضح للمصلين أن "الدولة أعدمت المصري لخروجه على أمير المؤمنين، وشقه صف المسلمين".
انشقاق "الأنصار"
وفي مدينة الباب أيضاً؛ وقعت قبل شهرين حادثة هروب عدد من القائمين على سجن الباب، بالإضافة إلى سجناء ينتمي بعضهم إلى تنظيم الدولة، "وعلى أثر ذلك قام التنظيم بعمليات اعتقال واقتحام للبيوت عانينا منها فترة من الزمن" بحسب المواطن "حسن" لـ"عربي21".
وأشار "حسن" إلى أن الحادثة دلّت على وجود تعاون بين المنشقين عن تنظيم الدولة، والثوار من الفصائل الأخرى. وفي هذا السياق؛ أشار مراقبون إلى إعدام التنظيم أحد عناصره في دوار الحمدانية (الدلو) بمدينة
منبج الأسبوع الماضي، أمام حشد من المواطنين، بتهمة مساعدته السجناء على الهرب، وبقيت جثته مصلوبة لثلاثة أيام.
وتبقى عمليات انشقاق "الأنصار" عن تنظيم الدولة؛ أسهل منها بالنسبة للمهاجرين، "حيث إنهم أبناء البلد، ومن السهل عليهم التخفي أو الهروب إلى تركيا" بحسب "أبو محمد" المقرب من التنظيم، الذي أوضح أن انفصال السوريين عن التنظيم يتم بصمت، ونادراً ما تصل أخباره للإعلام.
وأضاف لـ"عربي21": "أعرف شخصياً عدداً من عناصر تنظيم الدولة في مدينة منبج، اختفوا فجأة، ثم علمت لاحقا أنهم انسحبوا من التنظيم".
ظاهرة صحية
ويرى تنظيم الدولة أن الانشقاقات "ظاهرة صحية"، بحسب "أبو همام الأنصاري" أحد شرعييه في ريف حلب، الذي قال لـ"عربي21" إن "الانشقاقات تزيدنا قوة، لأن المنشقين لا يحملون فكرنا، ويشكلون عبئاً على الدولة الإسلامية".
وأضاف أن "أعداد المنتسبين إلينا بالمئات، ونضطر أحياناً لتأجيل الدورات الشرعية والعسكرية نتيجة الإقبال عليها بأعداد كبيرة لا يمكن استيعابها. وإذا فرضنا صحة ما يُقال عن انشقاقات وانسحابات؛ فإن ذلك لا يؤثر على بنية الدولة".
ويذهب مراقبون إلى أن أعداد المنتسبين إلى تنظيم الدولة تناقصت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، إلا أنهم يقرون أيضاً أن أعداد المنشقين عنه قليلة، إذا ما قورنت بعدد عناصره المقدرة بأكثر من 50 ألفاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويقول المراقبون إن مما يساهم في تقليل عمليات الانشقاق عن تنظيم الدولة؛ أن من يفكر بتركه لا يجد بديلاً مناسباً له، "فهو إذا عاد إلى بلاده؛ فإن الأجهزة الأمنية وسجونها وبطشها ستكون في استقباله"، مشيرين إلى أن الانشقاقات العامودية في التنظيم لم تطل قيادات الصف الأول، مما يؤكد أن "بنيته الأمنية ما زالت قوية".