خرج العديد من المشاركين في اجتماع
الجزائر في شهر مارس المنصرم متفائلين بأجواء اللقاء والروح الإيجابية التي سادت، وعبر العديد منهم عن إمكان أن يؤدي
الحوار الجزائري إلى تفكيك العديد من العقبات التي تحول دون التقارب بين القوى المتنازعة.
وربما يعود هذا الابتهاج إلى رغبة حقيقية لدى الطرفين في حل الأزمة، لكن الرغبة والحماس قد يتراجعان عند الدخول في تفاصيل النزاع وعند طرح البدائل لاحتوائه. أيضا فإن حالة السيولة التي تفرض نفسها على الأزمة الليبية تنعكس سلبا على مسار الأطراف المتحاورة فينقلب التفاؤل إلى قلق وحتى إحباط. ونقصد هناك تأثير الجبهات العسكرية والتطور في المعارك وهو ما يفسر الأجواء السلبية التي سادت في الاجتماع الثاني في الجزائر بين مكونات عديدة تمثل قوى الصراع، وذلك بعد الاختلاف حول نقاط جوهرية منها الإصرار على وضع حفتر على رأس المؤسسة العسكرية في التوافق الجديد، فيما يطالب الطرف الثاني بتعريف الإرهاب كسلوك وليس كتوجه فكري ليشمل تداعيات عملية الكرامة في بنغازي من دمار وخراب وحرق بيوت.
من ناحية أخرى، شكل الخليط غير المتجانس بين المشاركين في حوار الجزائر حتى على مستوى الجبهة الواحدة (جبهة البرلمان والكرامة، وجبهة المؤتمر وفجر
ليبيا) عامل إرباك، فالتنوع المفرط في الخلفيات الفكرية وحتى السياسية للمشاركين يمنع مساعي تحديد أرضية مشتركة للحوار، فهناك ممثلون عن قوى سياسية معنية بالصراع الدائر ولها ارتباطاتها المباشرة بالقوى المسلحة على الأرض، وهؤلاء لهم منطلقاتهم ومقارباتهم التي تختلف عن الشخصيات المستقلة التي تتعدد تفسيراتها لما يجري وتختلف رؤيتها لحل الأزمة بشكل قد يتصادم مع رؤية القوى السياسية.
علاوة على ما سبق، فإن خيوط التنسيق بين اجتماعات الجزائر وحوار المغرب ما تزال مفقودة، بل إن بعض القوى العسكرية الداعمة لحوار المغرب تعتبر اجتماعات الجزائر مسعى لاحتواء أي نتائج لا تروق لبعض الأطراف الإقليمية والدولية.
الأهم من كل ما سبق هو دور البلد المضيف وتوجهه، فبرغم عدم تدخل الرئاسة الجزائرية الراعية للحوار بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة لليبيا، إلا إن صناع السياسة الجزائرية ينطلقون من مخاوف عدة من أبرزها التهديد المباشر للجزائر قي حال انفلات الوضع الأمني في ليبيا بشكل نهائي، ولا يقل أهمية عن هذا قلق الجزائر من أن يختطف الملف الليبي من قبل أطراف إقليمية أو دولية لا تتوافق سياساتها أو مصالحها مع المصالح والدور الجزائري في دول الجوار.
وعلى أي حال، فإن حوار الجزائر يتأثر بشكل كبير بمخرجات حوار المغرب مع إمكان أن يؤثر فيه في حال تسارعة عجل التفاوض وتم الخلوص لنتائج متطورة، وهو يرتهن أيضا للتأثير المباشر لنتائج العمليات العسكرية في جبهتي الغرب والشرق. ومع وجود هامش للمتحاورين في الجزائر إلا إنه من المتوقع أن يتقيد المتحاورون بمواقف القيادات السياسية والعسكرية لجبهتي طرابلس وطبرق، وإلى تردد وتصلب أطراف التفاوض في الصخيرات، خاصة وفد البرلمان الذي يفرض شروطا تعكس نرجسية حادة مبعثها كونه الجسم التشريعي المعترف به دوليا، ويحكمها إملاءات وضغوط حفتر وأنصاره.
كما يشكل الغموض في موقف الأطراف الدولية الفاعلة من الصراع الدائر وتغاضيها عن الخروقات والانتهاكات التي تتورط فيها الكرامة عاملا من عوامل التصعيد العسكري من قبل حفتر، ومبررا لاستمرار تدخل أطراف إقليمية في الصراع بشكل ينعكس سلبا على العملية السياسية برمتها بما في ذلك حوار الجزائر.
من هنا، فإن الحديث عن توافق سياسي في الجزائر بعيدا عن التوافق في المغرب وبمنأى عن الفعل العسكري سيكون محدود الأثر، وسيكون حوار الجزائر مثمرا جدا إذا اهتم بتقديم مقاربات توافقية حول ملفات حيوية ترتبط بالتوافق السياسي المنشود ليكون دوره مكملا لحوار القادة السياسيين في المغرب وليس تكرارا كما هو الحال الآن.