في المعالجة السينيمائية لرواية علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان"، محمد عادل إمام يصعد فوق سطوح العمارة في مواجهة حبيبته "هند صبري" بعد وقوعه أسيرا لأفكار دينية محافظة، تتناثر محتويات حقيبته على الأرض ليبدو كتيب صغير عنوانه النقاب، في إشارة إلى طبيعة الأفكار التي تحول إليها، يريد المخرج مروان حامد أن يختزل أفكار إمام الصغير، بالتفاتة ذكية، وجدتني أنفجر في الضحك في غير مشهد كوميدي، أو إفيه يذكر، ببساطة الكتاب الذي اختاره المخرج، أو ريجيسير لم يلتفت لما طلب منه هو كتاب النقاب في الدين والتاريخ وعلم الاجتماع للدكتور أحمد شوقي الفنجري طبعة الهيئة العامة المصرية للكتاب، وهو كتاب يفكك ظاهرة النقاب وينزع عنها قداستها الدينية محيلا إياها إلى عادات تاريخية لا علاقة لها بالإسلام، أي أنه كتاب ضد النقاب، يأتي به المخرج في مشهد يتبنى فيه البطل النقاب، ربما يجادل البعض بأن الحقيقة الفنية أهم من الحقيقة الواقعية، إلا أن الكتاب بالنسبة لجمهور رواية تتحول إلى فيلم سينما مألوف، غلافه، إسم كاتبه، عنوانه، كل شيء يفصلك عن السياق الذي حاول المخرج خلقه، فإذا بالشاشة تشير إلى العكس تماما.
هنا، لا سبيل إلى قراءة ما حدث إلا في ضوء الإهمال، القراءة بالشبه، تسديد الخانات، وحسب.
الشيء نفسه يشهده المجال العام المصري منذ 3/7، إلى الآن، في محاولات اختلاق خصومة على أرضية الوطني في مقابل الإرهاب، مع الإخوان المسلمين، خلق العدو الوهمي، والانشغال بالحرب المزيفة عليه هي الحجة الوحيدة التي يقدمها، النظام العسكري للناس تبريرا لاجراءاته القمعية، وفشله الإداري، وضحالة أداءه السياسي، والاجتماعي، وانحطاطه في كل شيء، وأي شيء، ولا نبالغ إذا قلنا أن خبرات النظام العسكري في إدارة الشأن العام مختزلة في هذا المحدد، أرض المعركة، وعدو، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وهذا هو كل شيء.
يحاول النظام العسكري في مصر أن يبدو متبنيا لأجندة تنويرية في مقابل توجهات محافظة لدى جماعة الإخوان، يتشبث بقراءة الأزهر الشريف، الذراع الديني للحكم العسكري في مصر، ويستعدي قطاعات معروفة بولاءاتها الدولتية المبررة داخل بيئة الدرس الشرعي بإحالات تراثية أشعرية، يعتمد على اجتزاء ممارسات تعبوية في لحظات الأزمة، وتضخيمها، وتعميمها، بوصفها كل شيء، يساعده على ذلك طبيعة التنظيم المغلقة، بحيث يخيل إلى المتابع العادي أن ثمة أهوال وراء هذه الأسوار التنظيمية المغلقة!
يخبرك الإعلام العسكري أن الإخوان أرادوا بيع حلايب وشلاتين للسودان، وسيناء للفلسطينيين، وتأجير آثار مصر لدولة قطر، والاشتراك في مؤامرة قطرية تركية إسرائلية أمريكية، ضد مصر، ضدها في أي مساحة؟ لا يهم، المهم أنها ضدها، علم وينفذ!!
الإخوان كانوا يستهدفون تفكيك الجيش، ترتيباتهم الإقليمية كانت تستهدف (أي مصيبة)، موافقة، كانوا سيحجبون النساء رغما عنهم، طبعا، كانوا سيخصون الرجال، أحسن، كانوا سيظهرون لنا في المنامات في هيئة أشباح، كل شيء جائز وممكن، وضروري التصديق طالما اتفقنا على مبدأ الحقيقة الفنية، باختصار: هذا ما يريده المخرج، وعليك أن تشاهد وأنت ساكت.
الآن يحرق النظام الكتب، ليس عداء للفكر، لأنه لا يعلم ما الفكر أصلا، ليس محاربة فعلية للإخوان،
حرق الكتب جزء من تسديد الخانات، نحن نحرق لأننا نحارب، الحرب ما زالت مستمرة، هنا، وفي سيناء، وفي اليمن، وفي مضيق باب المندب، لا يوجد دولة، لا يوجد أمن وأمان، لا يوجد استقرار، لا يوجد أي شيء وعدنا به
السيسي، وحكمنا بشرعيته، لكن لا يهم، نحن في حرب، انتظرونا قليلا، ليس أكثر من 30 سنة.
يقول الخبر المنسوب إلى السيدة بثينة كشك، وكيل وزارة التربية والتعليم بالجيزة، إن الكتب المضبوطة لم تكن فى القائمة المسموحة بها للمكتبات المدرسية بمعرفة الوزارة، وأنه تم تسريبها إلى مكتبة المدرسة دون المرور على اللجنة المُكلفة بتيسيير العمل بمعرفة مجلس إدارة 30 يونيو المتحفظ عليها ضمن ممتلكات مدارس الإخوان.
وأوضحت مديرية التربية والتعليم حسب بيان صادر عن الوزارة، أن التعليمات الأمنية تقضى بإعدام الكتب الخارجة عن المألوف وليس فرمها، ومن هنا كان اللجوء لحرق الكتب المضبوطة بعد التأكد من مخالفة مضمونها لمبادئ الإسلام المعتدل .
إذن وزارة تعليم الانقلاب العسكري تحارب الفكر المتطرف، وتحرق الكتب لأنها تتجافى مع وسطية الإسللام واعتداله، تلك التي يعبر عنها الأزهر الشريف، كما يخبرنا مرارا إعلام الجنرالات.
تعالى نستعرض بعض العناوين التي تم حرقها على مرأى ومسمع من الأساتذة والطلاب للتخلص من الفكر المتطرف الإسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق، أصول الحكم في الإسلام، للدكتور عبد الرازق السنهوري، جمال الدين الأفغاني، للفيلسوف عثمان أمين، منهج الإصلاح الإسلامي للإمام الأكبر عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف، بالإضافة إلى كتب بعض المستشرقين!
لا أتصور أن الدولة المصرية قصدت إلى حرق هذه الكتب المحترمة، ذلك لأن الجنرالات لا تعرف شيئا لا عن الكتب ولا عن الاحترام، إنما قصدوا إلى تسديد الخانات، مدارس إخوانية، إذن هي فرصة لممارسة لعبة الحاوي، انظروا إلينا ونحن نحرق التطرف، ثم لا شيء يهم، حتى الإهمال الذي تسبب في أن يأتي مخرج عمارة يعقوبيان بكتاب ضد النقاب ليصدره بوصفه معه، لا يمكنه أن يختزل سلوك الدولة المصرية، الإهمال أكثر رقيا !!