بعيدا عن ملامح المشروع السياسي الذي يحمله السيسي – إن كان ثمة مشروع- فإن إشاراته المتكررة عن تجديد الخطاب الديني (السيئ بالفعل)، وهجومه المنفلت على التاريخ الإسلامي، دون أن يتوقف عند أي ملمح إيجابي في مراحله المختلفة، بالإضافة إلى رعونة إعلامييه وبذاءتهم الواضحة في التعامل مع التراث الإسلامي بل ونصوصه أيضا –لا من خلال منهج علمي رصين ورؤية منهجية يمكنها أن تقدم طرحا بديلا للخطاب السائد، وأن تسهم في إحداث نقلة نوعية في بنية العقل والفكر العربي، ولكن عبر لكمات من الشتائم، والتفكير السطحي الهش، والتهييج الإقصائي، وكلها سمات نمطية للحكم المتخلف الرجعي الذي لا يمكن أن ننتظر من ورائه أي تطور حقيقي في المنظومة التعليمية و السياسية و الإدارية.... فإن حكما يرتكز على الأغاني الوطنية والتصفيق الأبله لفرد واحد، ومكارثية متطرفة ضد كل من يختلف أو ينتقد سلوكه، هو حكم قابل للانهيار في أية لحظة، حتى وإن بدا أنها تأخرت كثيرا، وهذا ليس من قبيل الخطاب العاطفي والتحليل الوجداني، بل هي قوانين حاكمة وقواعد واقعية لبنية الدولة، تشبه قوانين الفيزياء، ومعادلات الرياضيات، لكنها تختلف عنها بأنه غير منظورة أو غير محددة من الناحية النظرية.
نتفق إذن مع السيسي في أن الخطاب الديني في حاجة لمراجعة وتجديد، لكن ليس من خلال الطرح الذي يقدمه إعلامه الفج، ولكن من خلال نخبة من المثقفين الحقيقيين الذين لا يعانون من أية عقد ايدلوجية وتؤمن أن الدين ليس خصما للعلم، ولا عائقا للتطور، فلا يزال هناك أمم تمارس الكثير من الخرافات والأساطير الدينية، ومع ذلك فإنها تتجاوزنا بمراحل على مستوى التقدم التقني والسياسي. أزعم أن السيسي أيضا في حاجة لتجديد خطابه السياسي، وفي حاجة لإعادة قراءة (التاريخ العلمي)لا (التاريخ السياسي) للعالم الإسلامي، إن كان يبحث عن الحقيقة بإنصاف، أما إذا كان يبحث عن مبررات جاهزة ومقولبة لأي انتكاسة سياسية أو اقتصادية لكي يعلق أي ملمح من الإخفاق على مشجب ديننا الذي ننتمي إليه، فإنه لا فائدة إذن من تلك المراجع المتاحة بلغات عدة والتي يتفق أغلبها إن لم يكن كلها على دور الإسلام في تحرير العقل الغربي من الخرافات التي ترسخت لديه عبر قرون من الزمن.
لقد ظلم العسكر التاريخ الإسلامي مرتين، مرة حين اتهموه بأنه عقبة في طريق التطور، وهم يعلمون أن العقبة الحقيقية هي في استبداهم وتبعيتهم للمشروع الغربي، والمرة الثانية حين قصروا تاريخ الإسلام على التاريخ السياسي لا العلمي، ومن المعروف بداهة أن التاريخ السياسي عبر التاريخ قائم على الصراع، وكان يعتمد على القوة من أجل إحكام السيطرة تماسك الدولة ضد تفشي النعرات العرقية والمذهبية التي تهدد بنية أية دولة، كما إننا إذا قارنا تاريخ الإسلام السياسي بتاريخ العالم الغربي قديمة وحديثه، فإننا سندرك ذلك الفرق الكبير بين تاريخنا، و تاريخهم. يستطيع السيسي أن يقرأ عن إسهامات الحضارة العربية والإسلامية في علوم الفلك والطب والرياضيات والهندسة والفلسفة، وعن الجامعات العربية الكبرى التي كان يتسابق العالم الغربي لإرسال أبنائه إليها، يستطيع السيسي أن يقرأ كيف أن اللغة العربية (التي يخطئ فيها كثيرا )، كانت لغة العلم لحوالي سبعة قرون، يستطيع أن يقرأ عن تأثير ترجمة القرآن وكتب المفكرين الإسلاميين مثل رواية حي ابن يقظان لابن طفيل على بروز حركة التنوير الغربي. يستطيع أن يعرف لماذا كان ينتمي إسحاق نيوتن عالم الفيزياء الشهير، وجون لوك رائد التنوير في أوروبا إلى طائفة الموحدين (Unitarians) يستطيع أن يعرف لماذا قاد مارتن لوثر حركة الإصلاح الديني في أوروبا ؟.
وأختم بهذه الاقتباسات لكبار المفكرين الغربيين، وأترك الترجمة لرجالك حتى لا نتهم بالتحريف :
George Sarton's Tribute to Muslim Scientists in the "Introduction to the History of Science،" I
"It will suffice here to evoke a few glorious names without contemporary equivalents in the West: Jabir ibn Haiyan، al-Kindi، al-Khwarizmi، al-Fargani، al-Razi، Thabit ibn Qurra، al-Battani، Hunain ibn Ishaq، al-Farabi، Ibrahim ibn Sinan، al-Masudi، al-Tabari، Abul Wafa، 'Ali ibn Abbas، Abul Qasim، Ibn al-Jazzar، al-Biruni، Ibn Sina، Ibn Yunus، al-Kashi، Ibn al-Haitham، 'Ali Ibn 'Isa al-Ghazali، al-zarqab، Omar Khayyam. A magnificent array of names which it would not be difficult to extend. If anyone tells you that the Middle Ages were scientifically sterile، just quote these men to him، all of whom flourished within a short period، 750 to 1100 A.D."
John William Draper in the "Intellectual Development of Europe"
"I have to deplore the systematic manner in which the literature of Europe has continued to put out of sight our obligations to the Muhammadans. Surely they cannot be much longer hidden. Injustice founded on religious rancour and national conceit cannot be perpetuated forever. The Arab has left his intellectual impress on Europe. He has indelibly written it on the heavens as any one may see who reads the names of the stars on a common celestial globe."
Robert Briffault in the "Making of Humanity"
"It was under the influence of the arabs and Moorish revival of culture and not in the 15th century، that a real renaissance took place. Spain، not Italy، was the cradle of the rebirth of Europe. After steadily sinking lower and lower into barbarism، it had reached the darkest depths of ignorance and degradation when cities of the Saracenic world، Baghdad، Cairo، Cordova، and Toledo، were growing centers of civilization and intellectual activity. It was there that the new life arose which was to grow into new phase of human evolution. From the time when the influence of their culture made itself felt، began the stirring of new life.