أُغْلِقَت صناديق الاقتراع، وبدأت اللجان في فرز الأصوات. تلك جملة يستخدمها المراسلون والمذيعون في كل أنحاء العالم، عندما تنتهي عملية الاقتراع في أية انتخابات –كنا نتمنى أن تكون الانتخابات
الفلسطينية هي موضوع حديثنا. لكنها تأتي على نحو مختلف إذا كانت تتعلق بالانتخابات في دويلة "
إسرائيل".
شعرت بالحزن وأنا أناقش موضوع الانتخابات "الإسرائيلية"، على مدار أسابيع، عبر برامج تلفزيونية، استضفت فيها العديد من المراقبين والمحللين السياسيين. لقد ناقشنا كل شيء تقريباً؛ الأحزاب المشاركة، التحالفات المتوقعة، شكل الحكومة المرتقبة، تأثير نتائج الانتخابات على وضعنا الفلسطيني، وغيرها الكثير من القضايا ذات الصلة.
كنت أناقش كل ما يتعلق "بانتخاباتهم" مع ضيوفي، وفي حلقي مرارة أسئلة صعبة، لا أجرؤ على طرحها، إلا أنني تمكنت هذه الليلة أن أتساءل على الهواء مباشرة، ولاسيما بعد أن سألت أحد الضيوف، فيما إذا كان عقد الانتخابات بعد 18 شهراً من الانتخابات الأخيرة، يعد ظاهرة صحية في "واحة الديمقراطية"، كما يحلو "لإسرائيل" أن تسمي نفسها؟ وأجاب الضيف بطريقة لا يغيب عنها الذكاء، إنها حقاً ظاهرة صحية، على الرغم من كونها تعكس ضعفاً كبيراً، وركاكةً في أقطاب الحكم داخل "إسرائيل"، سواءً كانوا شخصيات أم أحزاب.
ولا أريد هنا أن أقارن "انتخاباتهم" بانتخاباتنا في
الوطن العربي، "فإسرائيل" التي تفاخر بأنها واحة للديمقراطية، تعرف كما يعرف المواطن العربي، أنه لا تعقد انتخابات بالمعنى الحقيقي من أساسه، وعلى ذلك فلا داعي للإغراق في وصف الديمقراطية في الوطن العربي، والتي من أبسط أشكالها الاختيار الحقيقي لمن ينوب عن الشعب، أو يحكمه بطريقة شفافة ونزيهة، تغيب عن معظم الدول العربية.
ما يهمني هنا، هو أنني تمكنت أخيراً أن أتساءل بألم، وأمام كل الناس. أليس غريباً أن أطرح كل تلك الأسئلة عن الانتخابات "الإسرائيلية"، وفيما إذا كان عقدها في أقل من عامين ظاهرة صحية أم لا؟ وأنا أتحاور مع ضيوفي حول كل صغيرةٍ وكبيرة، وشاردةٍ وواردة في تلك الانتخابات. وفي المقابل فإننا نحن الفلسطينيين شاركنا في آخر انتخابات كانت منذ 10 سنوات، بالتمام والكمال؟!
نحن -أعني الفلسطينيين- نراوح مكاننا، وندور في حلقة مفرغة من أي إنجاز حقيقي. لدينا قيادة فلسطينية تتربع على عرش المنظمة منذ عقود، لم تعقد انتخابات في ذلك الجسم الهزيل، الذي حولوه –بمرور الزمن- إلى بقرة مقدسة اسمها "منظمة التحرير"، وهي تستحق أن تكون بيتنا جميعاً، ولكنهم أزالوا عصبَها الحيَّ؛ المتمثل في الكفاح المسلح، وأصبحت شاهد زور على تسوية سياسية مشوهة.
ليست المنظمة موضوعنا، بقدر ما نبحث هنا عن "لعبةٍ" نمارسها، ونرتضي بنتائجها، لعبة تتيح لليمين الفلسطيني أو اليسار أو الوسط أن يتقدم ويتأخر، أن نتحالف –مثلما كنا نتحالف من قبل في الانتخابات النقابية- قبل مجيء سلطة الحكم الذاتي.
لماذا تمر 10 سنوات بلا انتخابات، رئاسية أو تشريعية أو حتى محلية؟ لماذا يصاب المسؤولون في فلسطين بمتلازمة الكراسي، فلا يغادرونها إلا إلى القبر؟! كيف نستطيع أن ننظر في شاشات التلفزة، ونرى أعداءنا يمارسون "لعبتهم" الديمقراطية باحتراف، ونحن "نبحلق" في واقعنا الرديء، ومستقبلنا المجهول، دون أن نحرك ألسنتنا وأيدينا إلا على بعضنا البعض؟ ما شكل الحياة السياسية التي نعيشها بلا انتخابات، يحكمنا فيها الأكثر قوةً ونفوذاً وتحالفاً مع "الشيطان"؟! ماذا يضيرنا أن تكون لدينا انتخابات "كانتخاباتهم"، وصناديق اقتراع "كصناديقهم"، ونتائج شفافة ونزيهة "كنتائجهم"، ورضا بالنتائج، وتحالف، وائتلاف، وتقاسم للسلطة، "كرضاهم"، "وتحالفهم"؟ لماذا ولمصلحة من تبقى الانتخابات في بلادنا ممنوعةً من الصرف، ولا محلَ لها من الإعراب؟!