يأتي طرح فكرة إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة بالنسبة لبعض الدول فرصة للهروب من فشلها وأزمتها في الداخل وتصديرها إلى الخارج.
وهي خطوة تهدف أيضاً إلى شرعنة تدخل بري في ليبيا وفي الجارتين سوريا والعراق، إلى جانب السعي إلى تحويل حرب التحالف الغربي والولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة إلى "حرب منطقة" ودولها. فهذا ما تريده الولايات المتحدة والغرب: تعزيز فكرة الهروب من الدعاية التي يطلقها تنظيم الدولة، وهي أن الحرب "حرب الغرب على الإسلام أو حرب صليبية على السنة"، وفق تصريح لمدير وكالة استخبارات الدفاع الجوي الأمريكي.
الولايات المتحدة لن تخاطر وتتورط بإرسال قوات برية إلى العراق أو سوريا، والأسباب كثيرة تناولتها وسائل الإعلام بشكل كاف.. في الواقع لم تفعل في حين يمكن إدخال قوات عربية تقوم بالمهمة بشكل طوعي؟
لا بد عند تناول فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة أن نتساءل من هو العدو:
- الاحتلال الإسرائيلي شن عدواناً على قطاع غزة، وقتل آلاف المدنيين منهم الأطفال والنساء. عائلات بأكملها قضت جراء
الإرهاب الذي مارسه الاحتلال، هذا بالإضافة إلى المجازر العديدة التي ارتكبها بحق الفلسطينيين منذ احتلاله الأراضي الفلسطينية.. أليس هذا كله إرهاباً استدعى إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة لردعه؟ هل سيكون الاحتلال الإسرائيلي هدفاً للحلف العربي المزعوم؟ الجواب: لا.
- نظام بشار الأسد قتل الآلاف من المدنيين وتسبب بخراب الأرض ونزوح ولجوء البشر، وارتكب المجازر التي وقعت على مرأى ومسمع من العالم كله، متجاوزاً الحدود الحمراء والزرقاء، فهل سيعدّ عدواً للحلف العربي؟ الجواب معروف.
- ممارسات الميليشيات الإيرانية والشيعية، وتدخلها وتمددها في المنطقة، واستباحها الدماء والأعراض، وإشعالها حرباً طائفية. ما هي نسبة إدراجها عدواً للحلف الجديد؟
نعرف أن من يعادي إيران من الأنظمة العربية لا يواجهها مباشرة، ولكن من خلال دعم جماعات وتنظيمات مناوئة لها بالمال والسلاح.
هذه التساؤلات لابد من الإجابة عليها أولاً قبل الحديث عن إنشاء
حلف عربي..
لماذا لم يستشعر القادة العرب أن بلادهم مهددة إلا حين أطل علينا تنظيم الدولة بممارساته التي سبقه فيها الاحتلال ونظام الأسد والميليشيات الإيرانية؟ هل هم لا يستطيعون تحسس الإرهاب إلا حين رؤيته بصيغة "HD" على الطريقة الهوليوودية.
يجب على المسؤولين العرب تحديد مفهوم الإرهاب، والتطرف أولاً قبل الحديث عن آلية مكافحة مشتركة.
يدّعي الداعون إلى الحلف العربي الجديد أن إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة هو لمحاربة الإرهاب والتطرف.
النقطة المهمة هي أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر.. فالسلاح لن يحل شيئاً. لابد من الرجوع إلى جذر المشكلة وتحديد أسباب
التطرف ونشأة هذا الفكر والبحث فيه.. النتيجة عاشها الجميع: التطرف نتاج الظلم والتهميش والإقصاء والتعذيب وانتهاك الحريات والحقوق، الذي مارسته الأنظمة الديكتاتورية القمعية طوال عقود من الزمان.
خلاصة ما سبق: حارب الظلم تحارب التطرف.
سيكون أمام الدول العربية إن تم إقرار إنشاء الحلف العربي مرحلة طويلة وشاقة لبناء قوة عربية قادرة على القتال في واقع معركة معقدة، يصعب التكهن بنتائجها وتأثيرها على الرقعة العسكرية، وعلى الساحة السياسية، في مناطق الصراع.
بطبيعة الحال، نستثني من القوة العربية المشتركة (ليبيا، سوريا، اليمن، الجزائر) إلى جانب عدد من الدول العربية التي لن ترى مصلحة لها في الانضمام، فعن أي تحالف عربي نتحدث؟
نتحدث عن حرب في مقدمتها
الخليج ومصر. وتعاني الأخيرة من أزمات داخلية، لاسيما بعد وصول سلطة إلى الحكم من خلال الدوس على صناديق الاقتراع بانقلاب عسكري أطاح بحكم أول رئيس مدني منتخب، ما جعل الدولة تعيش أزمة سياسية واقتصادية، بل أزمة على جميع الأصعدة.
هذا إلى جانب مشاركة الأردن.
الحماس الأردني للمشاركة
بالحديث عن الأردن.. يثير الحماس الأردني الرسمي للمشاركة في قوة عربية مشتركة على غرار مشاركتها في التحالف الغربي ضد تنظيم الدولة الاستغراب. فبالنظر إلى القدرات العسكرية الأردنية، يمكن توظيفها بثلاثة أمور فقط لا غير، الأول عبر الضربات الجوية المساندة، وبدعم إضافي.. والثاني باستخدام قوة خاصة لمكافحة الإرهاب، وأخيراً من خلال القاعدة الاستخبارية التي تملكها وشبكتها الواسعة في هذا المجال.
هذا يعني أن الدور الأردني سيكون مسانداً بالقدر الذي يتطلب، ولن يكون كبش فداء.. هذا ما يفترض أن يكون عليه.
الأردنيون يرون بأن الحرب ليست حربهم، فالأردن على الرغم من أنه وسط منطقة ساخنة استطاع أن يحافظ على أمنه واستقراره، فلماذا يراهن على ذلك كله الآن؟
على المسؤولين الأردنيين الانشغال بإيجاد حلول للمشاكل الداخلية، فهناك العديد من الملفات التي تنتظر، عوضاً عن خوض حرب لا يستطيع الأردن أن يتحمل ضريبتها وتكلفتها على الصعيد الاقتصادي والعسكري والأمني.