الحرب الأهلية في مصر

ظل الكثير من المصريين الذين ينتمون حقيقة إلى الثورة يكذبون على أنفسهم أنه لن يكون هناك انقلابا عسكريا ؛ فمقدمات الانقلاب بدأت منذ أحداث موقعة الجمل بميدان التحرير وما تبعها من أحداث؛ ثم وثيقة السلمي قبيل أحداث محمد محمود التي أوضحت تماما ماذا تريد " المؤسسة العسكرية"؛ إنها تريد السلطة وكل ما حدث هي أدوات مختلفة للحصول عليها وأنها إذا فشلت في الحصول على السلطة بأدوات بيضاء فإنها لن تتواني في الحصول عليها بأدوات حمراء بلون الدم. 

إن كل الطرق منذ 2 فبراير تؤدي فقط إلى انقلاب بأي من ألوانه؛ وفي كثير من الأحيان يحاول الكثير منا تحييد المقدمات الشديدة الوضوح لأنه لا يريد أن يصدقها أو يراها؛ ويختلط الأمل بالتحليل المنطقي ويطغي الأمل على كل شيء وتُفسر كل الأمور لا بناء على المقدمات الواضحة وضوح الشمس ولكنها تُفسر على أساس ذلك الأمل والحلم الذي يسيطر على العقول؛ وكما قيل سابقا ببساطة " لن يحدث انقلاب عسكري".

بعد فشل وثيقة السلمي ظهرت أول محاولة بلون الدم لاستعادة السلطة في أحداث محمد محمود والتي هي أحد أهم مقدمات الحرب الأهلية عندما قتل مواطنون وألقوا في سلة القمامة باستخدام السلاح بشكل مباشر من "القوات المسلحة"؛أحد تعريفات الحرب الأهلية أنها "صراع مسلح بين مجاميع منظمة داخل البلد الواحد، أو بين دولتين كانتا في السابق دولة واحدة، وهو صراع قد يكون بدافع رغبة إحدى المجموعات في الانفصال لتكوين دولتها الخاصة بها، أو لتغيير سياسة بلادها أو الاستئثار بالحكم، وغالبا ما يكون أحد أطراف الصراع جيشا نظاميا"؛ وكثير من الحروب الأهلية لم يدرك أهل البلدان التي تقوم فيها أنهم في حرب أهلية إلا بعد سنوات طويلة.

وتختلط الثورة بالحرب الأهلية؛ فتبدأ الشعوب المنتهكة في الثورة رغبة منها في الانعتاق من جنون الاستبداد إلى مجتمع أكثر عدالة ودائما ما يحمل الثوار روحا يوتوبية ويهملون كثيرا من المقدمات الواقعية المأسوية؛ ولكنه الواقع المؤلم الذي يجب الاعتراف به أن هناك أثمان باهظة على الجميع أن يؤمن أنه يتحتم عليه دفعها؛ إنه ثمن الحرية التي تنتزعها الشعوب انتزاعا من طبقات حاكمة ستقاتل حتى النهاية للاحتفاظ بها وسط عالم يرفع فوق رأسه مظلة أنيقة من قيم وأفكار ومؤسسات ولكنه في ظلها لا يري إلا مصالح مادية وسلطوية لا تهتم كثيرا بتلك القيم التي يظن أنه يحملها.

عندما تقترب الشعوب من الحصول على حريتها تظهر الطبقة الحاكمة بتشابكاتها الفاسدة وتستخدم كل قوتها لتدمير الثورة والعودة إلى المربع ما قبل الصفر لتصنع لنفسها مسافة آمنة بعيدة عن قوة الدفع الثوري؛ فشلت في هذا الطبقة الحاكمة المصرية في وثيقة السلمي وتبعاتها ولكنها نجحت في 3 يوليو؛ ولا ضمان لنجاحهم إلا بالدفع باتجاه الحرب الاهلية بكل طاقتها في ظل الصمود الشعبي.

حاولت الكتلة الصلبة في الثورة المصرية تجنب ان يتحول الصراع من الحالة الثورية إلى الحرب الأهلية المفتوحة ونجحت إلى حد ما في ذلك وتحول السيناريو الطبيعي للدخول في الحرب الأهلية المسلحة بعد الثورة المضادة إلى قتل من جانب واحد وتضحيات أرى أنها أسطورية من الثوار؛ ولكن هذا بالتأكيد لا يعني أننا لسنا في حرب أهليه لأن أدوات القوة لا تقتصر فقط على القوة المسلحة؛ إن الواضح أن هناك كتلة صلبة مصرة على تحدي سلطة السطو المسلح الموجودة في مصر وستكمل حتى النهاية لإسقاط هذه العصابة ؛ بينما تمارس عصابة السطو المسلح سياسة الأرض المحروقة؛ فهي تمارس أقصي درجات الحماقة في تفتيت أطراف مصر؛ في الشرق والغرب وربما قريبا في الجنوب وفعلت ما لم تستطع قوي الاحتلال المباشر فعله على مدي مئات السنين. كما أنها تمارس كافة الأسباب التي تدفع بالمجتمع إلى التحول الكارثي للعنف.

إن التزام الكتلة الصلبة للثورة بعدم التحول إلى العنف المسلح لا ينفي وجود قوتين رئيسيتين في مصر يصعب التقاءهما كما أن استمرار البطش من طرف واحد يكون مساحة سائلة فارغة يسهل أن تتكون فيها قوة ثالثة تستغل الفراغ الناتج عن القتل من جانب واحد وتتحول الحالة المصرية من حرب أهلية غير مسلحة إلى الحتمية التاريخية في كل ثورات التاريخ الكبرى التي تدفع في اتجاة الحرب الأهلية الشاملة المسلحة. 

إنها بالتأكيد ليست دعوة للحرب الأهلية ولكن الرغبات بداية ونهاية لا تغير الواقع؛ إن هناك سلطة مجنونة تصر على استخدام القوة المفرطة وهناك أيضا كتلة صلبة تصر على حماية مصر من الدخول في النفق المظلم؛ إلا أن تلك الحالة تؤهل بقوة لظهور قوة ثالثة في هذه الحالة السائلة تستغل جنون القتل وتستغل الصمود الأسطوري لتدفع بالمشهد إلى ما لا يحمد عقباه؛ وعلينا التأكيد أن من يدفع في هذا الطريق المؤلم هي سلطة السطو المسلح التي لن تتورع عن حرق مصر للحفاظ على سلطتها.

إن المشهد المصري مؤهل تماما للوصول إلى تلك اللحظة وأخشى أن يظل الجميع في حالة الإنكار الكبرى التي تظن أننا لا زلنا بعيدا عن الحرب الأهلية التي بدأت بالفعل في 18 نوفمبر 2011؛ وأرى أنها نفس الحالة من الإنكار التي جعلت الكثير حتى 2 يوليو 2013 يظن أنه لن يحدث انقلابا عسكريا.