كما البغبغانات يردد ساسة وإعلاميون مصريون مصطلح
حروب الجيل الرابع دون أن يعرفوا أصله أو فصله، ولا إلى أين وصلت النقاشات حوله في مهد نشأته، لافرق في التعامل مع هذا المصطلح بين عبد الفتاح
السيسي قائد انقلاب الثالث من يوليو ورئيس المخابرات الحربية السابق، أو بين توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين الذي أصبح "بقدرة قادر" فيلسوف حروب الجيل الرابع في مصر، وكأنها التطور الطبيعي لعمليات "تزغيط البط" التي تحدى بها الرادعي يوما ما.
مصطلح حروب الجيل الرابع أصبح دارجا في الشارع المصري بفضل تبني سلطة عبد الفتاح السيسي له على أعلى المستويات، وتسخير كل الإمكانيات ومن ذلك تخصيص برنامج أسبوعي له في القناة الأولى للتليفزيون الرسمي للدولة بدءا من نوفمبر 2013، وعقد ندوات ودورات ومحاضرات، ولم تتخلف عن المشاركة في هذه "الهوجة" قنوات وصحف حكومية وخاصة، كلها تبارت في شرح حروب الجيل الرابع للشعب المصري، الذي لم ولن يفيق من حروب أنبوبة البوتجاز ورغيف الخبز، ومحطات الوقود، وعصابات السرقة والنهب.
حروب الجيل الرابع ببساطة هي مجرد " خدعة" أو بالمصري "اشتغالة" عسكرية أمريكية لتبرير فشل القوات المسلحة الأمريكية في مواجهة التنظيمات المسلحة مثل داعش والقاعدة وغيرها، ما دفع خبراء العسكرية الأمريكية لاطلاق مصطلح الجيل الرابع ليبرروا لشعبهم طول امد المعركة مع هذه التنظيمات التي لاتستخدم تكتيكات أو أسلحة تقليدية يتفوق فيها الجيش الأمريكي بطبيعة الحال، بل تستخدم اساليب جديدة وغريبة على العقلية العسكرية الأمريكية، وتحتاج لمزيد من الوقت لفهمها وحل ألغازها، وإنتاج الأسلحة القادرة على مواجهتها.
للتنظير لهذا المصطلح قسم أولئك الخبراء العسكريون الأمريكيون الحروب إلى حروب الجيل الأول التي كانت تدور بين الجيوش النظامية للدول على مساحات معينة من الاراضي بأسلحة تقليدية، وحروب الجيل الثاني التي أصبحت تستخدم الدبابات والطائرات، وحروب الجيل الثالث التي توصف بالحروب الوقائية أو الاستباقية كالحرب على العراق، وصولا إلى الجيل الرابع للحروب وهي ما يصفونه بالحرب اللامتماثلة والتي ظهر مصطلحها بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ايلول 2001، والتي تستهدف تنظيمات منتشرة حول العالم، تمتلك إمكانيات جيدة، ولها خلايا نشطة في ضرب مصالح الدول الأخرى كالمرافق الإقتصادية وخطوط المواصلات إلخ، ولعل المنظر الأبرز لهذا المصطلح هو البروفيسور الأمريكي "ماكس مايوراينك" .
كان من الممكن أن نفهم مصطلح الجيل الرابع للحروب لو أنه إنصب على استخدام التكنولوجيا المتطورة بدلا من الأسلحة النارية في شل إرادة دولة ما، كأن يتم تخريب قاعدة بيانات الأجهزة الحكومية بما فيها العسكرية لشل عملها، أو حتى وقف بث القنوات أو قطع الاتصالات والطرق بطريقة الكترونيية لتصيب البلاد بالشلل دون إطلاق رصاصة واحدة، لكن التوصيف الأمريكي الحالي لتلك الحروب لايبدو مقنعا.
لم تسلم هذه النظرية من النقد في مسقط رأسها الولايات المتحدة، بل إنها لم تعد مقنعة لغالبية الخبراء، ولكنها أصبحت تجد رواجا كبيرا في مصر، وساهم المطبخ العسكري المصري في الترويج لها قبل وبعد الإنقلاب العسكري عبر أذرعه السياسية والفنية والثقافية ، وكان الهدف الأساسي هو تشويه ثورة 25 يناير، وإعادة تقديمها للرأي العام -بطريقة غير مباشرة - باعتبارها مؤامرة خارجية وجزء من حروب الجيل الرابع، وسمح المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي في المرحلة الإنتقالية بوجود قنوات معادية للثورة تبث من القاهرة وفي حماية الجيش والشرطة، وتنشر هذه الأفكار السلبية عن ثورة يناير، وتتهم الرموز الشبابية للثورة من كل التيارات بتلقي التدريبات على حروب الجيل الرابع في دول أوربية والولايات المتحدة، ثم تصاعد هذا الهجوم على الثورة بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، وتم تغذية العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين والإعلاميين الموالين للسلطة بمفاهيم مشوهة حول الجيل الرابع للحروب، والذي أصبح يستخدم أيضا -كما في أمريكا- لتبرير فشل سلطة الإنقلاب في إدارة شئون البلاد، وعدم قدرتها على تثبيت ركائز حكمها، أو بسط الأمن والإستقرار في ربوع البلاد، أو جذب السياحة والإستثمارات الأجنبية.
زخم جديد اكتسبه مصطلح الجيل الرابع للحروب من خلال حديث المشير عبد الفتاح السيسي في خطابه" التليفزيوني" الأخير للشعب، والذي حاول من خلاله التشكيك في التسريبات الصوتية التي بثتها بعض القنوات الفضائية المناصرة للشرعية، والتي تضمنت سبابا وتهكما من حكام ودول الخليج التي ساندت الانقلاب بالمليارات، وهي التسريبات التي أحدثت فجوة في العلاقة المصرية مع هذه الدول دفعت السيسي للخروج بخطابه الاعتذاري، وتبعه بزيارة للملكة العربية السعودية.
لقد إدعى السيسي في إطار تشكيكه في التسريبات أنها جزء من حروب الجيل الرابع التي تستخدم التكنولوجيا المتطورة لتقليد الأصوات، بهدف نشر الوقيعة مع الأصدقاء، ليتبعه أحد أبرز الوجوه
الإعلامية التي تبنت ونشرت مفهموم الجيل الرابع للحروب وهو الإعلامي توفيق عكاشة ليبسط للجمهور أحد أدوات هذا الجيل من الحرب والتي استخدمت لتقليد الأصوات فيما سماه ببرنامج" صوتو شوب" على غرار " الفوتوشوب" وهو مصطلح غير علمي من بنات أفكار عكاشة الذي ما إنفك يتحف المصريين والمشاهدين عموما بتحليلاته ومصطلحاته اللوزعية، وغني عن الذكر أن شركة عالمية كبرى هي "جي.بي فرنش أسوشيتس" المتخصصة في الصوتيات أكدت صحة تلك التسريبات، وصحة نسب الصوات الواردة فيها للسيسي ورجاله.