كتاب عربي 21

الدولة ترعى الزندقة

1300x600
في عهد حسني مبارك –الذي امتد ثلاثين عام – تبلورت "الزندقة" في مصر ظاهرةً تحت سمع الدولة وبصرها، بل إن مباحث أمن الدولة، التي تخصصت وبرعت في قهر الشعب وتزوير إرادته في الانتخابات، وفي إقامة "سلخانات" التعذيب الوحشي للإسلاميين، كانت هي التي تحرس أشخاص هؤلاء الزنادقة ومنازلهم!

وتفتح الأبواب أمام أفكارهم لتقرر على طلاب الجامعات، ولتنشر في المكتبات والمجلات.

ولقد عاش في حماية وحراسة زبانية جهاز أمن الدولة ذلك الذي دعا إلى "أنسنة الدين"، والانتقال من الإلهيات إلى الإنسانيات، وإحلال الطبيعة محل الله، والاستغناء بالعقل عن الوحي!

نعم، لقد كتب ذلك وقرره على أبنائنا في الجامعة، عندما أجلسه نظام مبارك على كرسي الشيخ مصطفى عبد الرازق والأساتذة محمد يوسف موسى، ومحمد عبد الهادي أبوريدة، وأحمد فؤاد الأهواني، وغيرهم من أعلام الفلسفة الإسلامية، بل لقد أجلسه نظام مبارك على مقعد رئاسة لجنة الترقيات لأساتذة الجامعة، ليمارس عليهم سلطان الترغيب والترهيب، حتى لقد فرض نفسه مناقشا لرسالة دكتوراة تنتقده، وأعلن -وهو على منصة المناقشة وأمام الجمهور- أنه لا دليل على وجود الله!!

ولقد كتب - في مشروعه الفكري الذي بدأ مع عصر مبارك - فقال: "إن مهمتنا هي أن ننتقل بحضارتنا من الطور الإلهي القديم إلى طور إنساني جديد، فبدلا من أن تكون حضارتنا متمركزة على الله تكون متمركزة على الإنسان، وتحويل قطبها من علم الله إلى علم الإنسان، إن تقدم البشرية مرهون بتطورها من الدين إلى الفلسفة، ومن الإيمان إلى العقل، ومن مركزية الله إلى مركزية الإنسان، حتى تصل الإنسانية إلى طور الكمال، وينشأ المجتمع العقلي المستنير"!

وذهب هذا الذي عاش تحرسه زبانية مباحث أمن الدولة، وتفرض أفكاره على طلاب الجامعات في مصر الإسلامية، ذهب إلى نفي وجود الله من الأساس! فكتب يقول: "إن لفظ الله هو تعبير أدبي أكثر منه وصفا لواقع، وتعبير إنشائي أكثر منه وصفا خبريا، والإنسان هو الذي يخلق جزءا من ذاته ويؤلهه، أي أن يخلق المؤله على صورته ومثاله، فهو يؤله أحلامه ورغباته، ثم يشخصها ويعبدها، وإن اختيار باقة من الصفات المطلقة، ووضعها معا في صورة معبود تشير إلى أن الإنسان إنما يؤله نفسه، فالذات الإلهية هي الذات الإنسانية في أكمل صورها، وأي دليل يكشف عن إثبات وجود الله إنما يكشف عن وعي مزيف، فذات الله هي ذاتنا مدفوعة إلى الحد الأقصى، ذات الله المطلق هي ذاتنا نحو المطلق، ورغبتنا في تخطي الزمان وتجاوز المكان، ولكنه تخط وتجاوز على نحو خيالي.. والصفات السبع التي نصف بها الله هي في حقيقة الأمر صفات إنسانية خالصة، فالإنسان هو العالم والقادر والحي والسميع والبصير والمريد والمتكلم، وهذه الصفات في الإنسان ومنه على الحقيقة، وفي الله وإليه على المجاز"!!

هكذا تحولت الزندقة في عهد مبارك إلى ظاهرة محروسة من مباحث أمن الدولة، ومقررة على طلاب الجامعات، بل إن مقولات هذه الزندقة لم تقف عند هذا الذي ضربنا عليه الأمثال!