طمأن عناصر تنظيم الدولة الاسلامية فور دخولهم الموصل سكان المدينة، وأظهروا حسن خلق لا مثيل له، وباتوا يرددون "أننا نحن الذين أنقذناكم من ظلم الجيش وجوره، وبنا ستقوم الدولة وتعمر".
ولكن هذا الوجه الحسن لم يستطيعوا إبقاءه فترة طويلة، حتى تساقط قطعة بعد الأخرى، وكان الموقف الذي انقشع به الوجه المركب للدولة، ذلك الموقف الذي أبكى مدينة الموصل في عصر الرابع والعشرين من شهر تموز المنصرم، عندما توجه عدد من عناصر التنظيم مكبرين مهللين لهدم جامع "النبي يونس"، ذي الرمزية الأكبر والأهم داخل المدينة، وبمشهد مؤلم انهارت تلك المنارة التي كانت شامخة سنين طويلة.
لم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل طال التفجير عددا آخر من الجوامع والكنائس، وحتى سور نينوى الأثري، ذلك السور الذي يرتبط بالحضارة الآشورية الضاربة في عمق التأريخ، فُجر من جهته الأمامية ليترك بعد ذلك حطاما متراكما بعضه فوق بعض.
وفي مشهد ذي احترافية عالية دخل عدد من عناصر تنظيم الدولة إلى "المكتبة المركزية العامة"، الواقعة في منطقة الفيصلية من الجانب الأيسر للمدينة، وبمشهد شبيه بأيام هولاكو قاموا بحرق المكتبة التي تضم ما يقارب العشرة آلاف كتاب في شتى العلوم والفنون ناهيك عن مئات المخطوطات التي يرجع تأريخها إلى العصور الذهبية في صدر الإسلام وما بعده.
المثير للجدل ما نقله شهود العيان الذين رأوا عناصر التنظيم ومعهم عدد من المتخصصين وهم ينقلون بعض المخطوطات النادرة، قبل أن يعمدوا إلى حرق المكتبة.. هذا المشهد كان قد تكرر في كنيسة مريم العذراء التي فجرت قبل عدة أشهر، حيث أكد ساكنون محليون أن عناصر التنظيم أخرجوا عددًا من الصناديق التي تحوي كتبا قديمة ومخطوطات تابعة للكنيسة.
براءة تفجير يسجلها تنظيم الدولة بهدمه حضارة أفنى الأجداد سني عمرهم في بنائها، وبقلة معرفة منهم يؤسسون لدولة القرون الوسطى، فحرق الكتب وتهديم الآثار وطمس معالم المدينة لا علاقة له بفكرة بناء الدولة وإقامة الخلافة.
أكثر ما يذكر عن هولاكو هو إتلافه لكتب بغداد، ولا يزال طلاب العلم إلى هذا اليوم يأسفون على تلك الفعلة الشنيعة، فماذا سوف يدون التأريخ عن حقبة "الدولة الإسلامية"؟ وماذا سيقول أحفادهم لطلاب العلم وكلمات العلماء التي تناثرث أحرفها وتطايرت نقاطها عبثا؟