كتب ذِكْرُ الرحمن: تعرض الحزب اليميني الحاكم في
الهند، «
باهاراتيا جاناتا»، الذي ركب موجة عاتية من الشعبية، لانتكاسة لافتة خلال الأسبوع الماضي عندما مني بهزيمة ساحقة في انتخابات المجلس التشريعي لمدينة نيودلهي، حيث حصل على ثلاثة مقاعد فقط من أصل 70 مقعداً، وهو ما يعتبر ضربة قوية لشعبية رئيس الحكومة، ناريندرا
مودي، وخَصماً واضحاً من رصيده السياسي.
لكن في المقابل حقق حزب «عام آدمي» بقيادة ناشط يتصدر حملة مناهضة
الفساد منذ عدة أشهر، يدعى أرفيند كيجريوال، اختراقاً مهماً، علماً بأن عمر حزبه لا يتجاوز السنتين، لكنه حصل على 67 مقعداً ليكتسح مجلس العاصمة، وأيضاً ليطلق التكهنات وسط المراقبين والمحللين من أن بديلاً جديداً قد يكون في طور التخلق ضمن السياسة الهندية، فراح المعلقون يشبهون الانتصار الكبير بتسونامي سياسي سيكبح آلة مودي العملاقة، فيما لم يتمكن «حزب المؤتمر الوطني» الذي يُنظر إليه كمعادل موضوعي للحزب اليميني من الحصول على مقعد واحد.
والمشكلة بالنسبة لمودي الذي جاء إلى السلطة في شهر مايو من العام المنصرم، أنه يحتاج للنصر في المجالس التشريعية بالولايات المختلفة لرفع عدد أعضاء حزبه في الغرفة العليا للبرلمان الفيدرالي، التي لا يتوفر فيها «باهاراتيا جاناتا» على أغلبية، بل يواجه صعوبات في الدفع بالتشريعات والمصادقة عليها.وبموجب الدستور الهندي، يعزز الحضور في المجالس التشريعية المحلية النفوذ السياسي في الغرفة العليا للبرلمان.
وكان حزب «باهاراتيا جاناتا» قد أحرز سلسلة من الانتصارات الباهرة خلال السنة الماضية في المجالس المحلية، مستغلاً نصره الأكبر في الانتخابات الوطنية، ليحصد عدداً مهماً من الولايات، بدءاً من هاريانا وليس انتهاء بكشمير، لكنها المرة الأولى التي يجد فيها مودي، الذي يسوّق لذاته كمثل للمواطن البسيط، نفسه، وقد انتزع منه هذا التمثيل وهذه الصفة من قبل كيجريوال، مفتش الضرائب السابق.
ولعله من الأسباب التي تفسر تلك الانتكاسة ردود الفعل السلبية تجاه تصاعد العناصر الهندوسية المتطرفة، ومحاولاتهم خلق حالة من الاستقطاب في المجتمع لاستمالة الأصوات على أساس طائفي.
فقد شهدت الآونة الأخيرة مجموعة من الهجمات التي استهدفت الكنائس المسيحية، فيما سعت الجماعات الهندوسية إلى إرغام المسلمين والمسيحيين على اعتناق الهندوسية.
وكان للصمت الذي قابل به مودي هذه الممارسات أن أثار انتقادات ضده من دوائر عدة، بيد أن الاستقطاب الطائفي والخطاب المتعصب لم يكن العامل الوحيد الذي قد يفسر تراجع الحزب الحاكم وفشله في انتخابات نيودلهي، بل تضافرت عوامل أخرى، مثل وعود حزب «عام آدمي» بالتصدي للفساد المستشري في الأجهزة الحكومية، وتوفير الكهرباء بأسعار رخيصة، وكذا تأمين ماء الشرب مجاناً للفقراء.
ويرجع صعود حزب «آدمي» إلى الواجهة السياسية إلى فترة بسيطة، وتحديداً قبل 17 شهراً من الآن، أي في ديسمبر عام 2013 حين خرج الحزب من رحم حركة شعبية انطلقت قبل ذلك في عام 2011، ورفعت شعار مناهضة الفساد، ليتمكن الحزب الجديد من الوصول إلى البرلمان، بدعم من شرائح مختلفة، مثلت الطبقة الوسطى، والعمال، وأيضاً عموم الهنود الساخطين على المؤسسة السياسية الحالية.
ومن العوامل الأخرى التي أفادت حزب «عام آدمي» الصاعد، فضائح الفساد التي زكمت برائحتها أنوف الهنود خلال الولاية الثانية من حكومة حزب «المؤتمر الوطني»، خاصة فيما يتعلق بتوزيع حصص الفحم، وأيضاً التجاوزات التي شابت مشاريع بناء وتوزيع الشقق على أرامل الحرب مع باكستان، وهو ما دفع الحزب للتركيز في حملته الانتخابية على نظافة يد المرشحين المتقدمين باسمه، وإطلاق أجندة محاربة الفساد، وتدشين حملة لمحاربة الامتيازات التي ترافق المناصب الحكومية..
وهو الخطاب الذي لقي صدى واسعاً لدى المواطنين وحشد أصواتهم، بل مضى كيجريوال إلى تجسيد مفهوم نظافة اليد والنأي بنفسه عن الامتيازات عندما رفض مرافقة حراس تعينهم الدولة لحمايته، وفضل البقاء في منزله واستخدام سيارته الخاصة عوض السكن والسيارة الحكوميين، هذا بالإضافة إلى اعتماده على الإعلام الاجتماعي للتواصل مع أنصاره، كما حرص على نشر جميع التبرعات على موقع حزبه الإلكتروني.
وعلى غرار ما جرى في بعض تمظهرات «
الربيع العربي»، انطلقت ظاهرة «عامي آدمي» كرد فعل شعبي جارف على استفحال الفساد في مفاصل الدولة، ورفضها للعنف الممارس ضد المرأة في الفضاء العام. واليوم مع اندحار حزبين راسخين في الانتخابات الجزئية لنيودلهي، يبدو أن «عام آدمي» أصبح يتمتع بما يكفي من المصداقية لطرح نفسه كبديل سياسي على الساحة الوطنية.
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 21 شباط/ فبراير 2015)