في الوقت الذي تمضي فيه الهند قدما في تطبيق إغلاق على امتداد البلاد، تنتشر المخاوف من مدى قدرة الفقراء، وخاصة العمال المهاجرين، على الصمود بعد توقف حصولهم على أجور في ظل توقف النشاط الاقتصادي. والحظر الذي مدته 21 يوما، وكان من المفترض أن ينتهي يوم 14 نيسان/أبريل الجاري، تم تمديده 20 يوما أخرى، بعد أن لاحظت السلطات ارتفاعا في عدد الإصابات بمرض كوفيد-19 وزيادة الوفيات في واحدة من أكثر دول العالم سكانا.
وقد تأكدت بالهند، البالغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، 12 ألف إصابة بفيروس كورونا و380 وفاة حتى الآن. لكن الحظر قاس بشكل خاص على الفقراء الذين ليس لديهم إلا القليل من المدخرات، تغطي الضروريات مع توقفهم عن الحصول على أجور. وكانت الأيام الثلاثة الأولى من الحظر قد شهدت خروجا جماعيا من المدن للعمال المهاجرين، الذين لم يستطيعوا دفع إيجار مساكنهم أو شراء الإمدادات بسبب خسارتهم لوظائفهم، وبدؤوا يعودون إلى قراهم حيث يكون لهم على الأقل سقف يحميهم. وقد نجح بعضهم في العودة إلى بيوتهم، لكن آلافا آخرين تم إيقافهم بعد أن أغلقت الحكومة حدود كل الولايات تقريبا، ووجهت العمال الفقراء إلى مساكن إيواء أو إلى أماكن إقامتهم السابقة.
ودشنت نيودلهي مجموعة من المبادرات لحماية الفقراء من الموت جوعا، وأعلنت حزمة مالية تبلغ 1.7 تريليون روبية، تتضمن تحويلات نقدية مباشرة وطعاما مجانيا لإنقاذ الفقراء من انقطاع مصادر الرزق، بسبب الإغلاق الناتج عن فيروس كورونا. وتعادل حزمة الإنقاذ المذكورة أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالدول الأخرى، التي قدم بعضها حزم إنقاذ بلغت ما يصل إلى 10% من الإنتاج المحلي الإجمالي.
وهناك مبادرات أخرى حرصت على ألا يصبح الفقراء أشد فقرا؛ فقد دشنت الحكومة الهندية «صندوق رئيس الوزراء لمساعدة المواطن وإنقاذه في أوقات الطوارئ» بعد انتشار وباء كوفيد-19 في الهند. والصندوق يُستخدم في جهود المكافحة والاحتواء والإنقاذ ضد تفشي الفيروس، وسيستخدم في حالة وقوع أوبئة أخرى مستقبلا. ويستهدف الصندوق مساعدة ملايين من عمال المياومة الذين لم يستطيعوا العودة إلى منازلهم في القرى، أو يقيمون في مخيمات الإغاثة انتظارا لرفع الحظر حتى يستطيعوا العودة إلى منازلهم أو الحصول على عمل جديد.
وتدفقت مساعدات من قطاعات أخرى تضمنت الهنود من الطبقة الوسطى الذين احتشدوا، ربما لأول مرة بأعداد كبيرة، لمساعدة الفقراء. وهذه المساعدة شملت توزيع الغذاء والتبرع بالمال وحتى قيام بعض الجماعات أو الأصدقاء بطهي الطعام وتقديمه للمحتاجين. وتأتي مساعدات الطبقة الوسطى الهندية، بالإضافة إلى مساعدات الشركات الخاصة الكبيرة والصغيرة، في وقت ما تزال فيه الحكومة تكافح، بسبب بيروقراطيتها بطيئة الحركة، كي تضع نظاما لإطعام الفقراء. وفي مناطق مازالت فيها مساعي الحكومة ضعيفة أو تسقط منها فئات من الفقراء بسبب الافتقار للتوثيق، تقدم الأفراد إلى الساحة محاولين ملء الفراغ. وبالنسبة للفقراء هناك الكثير من الصعوبات، وسط مخاوف من أنه إذا بدأ الفيروس الانتشار في الأحياء العشوائية، فإنها ستكون كارثة على البلاد.
ومع بذل مساع كثيرة لإطعام الفقراء وتوفير شبكة أمن لهم، مازال كثير من هؤلاء الفقراء أشد عرضة لاحتمال إصابتهم بالفيروس شديد العدوى. فالمياه النظيفة ما زالت حلما بعيد المنال لملايين الفقراء من الهنود، إذ هناك أكثر من 163 مليون هندي ليس لديهم إمكانية الحصول على المياه النظيفة، وهو الرقم الأعلى بين دول العالم وفقا لدراسة صادرة عن منظمة «ووتر آيد» الدولية غير الربحية، المدافعة عن حق الحصول على المياه والصرف الصحي.
وحث رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهنود على «زيادة المسافة الاجتماعية وتقليص المسافة العاطفية»، لكسر سلسلة انتقال الفيروس. وانعزل الهنود من الطبقتين العليا والوسطى على امتداد المدن كثيفة السكان في منازلهم، مع ما يتوافر لهم من إمدادات مناسبة. لكن مثل هذا العزل يمثل تحديا للطبقة الفقيرة. وفي الهند، يعيش أكثر من 65 مليون هندي في أحياء عشوائية حول عدة مدن. ويتعين على كثير من سكان هذه الأحياء العشوائية الخروج من منازلهم؛ للحصول على مياه الشرب النظيفة ولاستخدام المراحيض العامة.
والإغلاق الصحي شاق بشكل لا يصدق على فقراء الهند، والأفقر بين هؤلاء هم الأشد تضررا من العواقب الاقتصادية للإغلاق جراء فيروس كورونا. وتبحث حكومة مودي تطبيق مزيد من إجراءات الإغاثة للفقراء حتى في الوقت الذي تعاني فيه الهند من بطء النمو. ويتوقع أن يضر الهبوط الشديد في النمو الاقتصادي القطاعات الأفقر من المجتمع، حيث أشار البنك الدولي إلى أن كثيرا من العمال المهاجرين ممن فقدوا وظائفهم، سيواجهون صعوبة الحصول على عمل مرة أخرى.
(الاتحاد الإماراتية)