نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لروجر كوهين، يقول فيه إن اللازمة التي يكررها السياسيون الغربيون، أنهم ليسوا في حرب مع الإسلام، أصبحت مستهلكة، ولا يصدقها
المسلمون في البلاد الإسلامية جميعها، فهي ليست ذات جدوى.
ويشير الكاتب إلى تصريحات رئيسة وزراء الدنمارك، بعد مقتل مخرج الأفلام الدنماركي وحارس المعبد اليهودي، حيث قالت: "نحن لسنا في معركة بين الإسلام والغرب، إنها ليست حربا بين المسلمين وغيرهم، إنها حرب بين القيم المبنية على حرية الفرد وعقيدة مظلمة".
ويبين كوهين أن تصريحاتها هذه تشبه تصريحات الرئيس أوباما، التي تتحدث عن "متطرفين يتبنون العنف"، ولكن بفصلها عن الإسلام الأصولي، الذي ينتمي إليه القتلة، فإن هذه التصريحات تصبح بلا معنى.
ويلفت الكاتب إلى أن الغرب يخوض حربا مع العالم الإسلامي في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن، في محاولة فاشلة لاستئصال حركة إسلامية سرطانية تحمل البغض للحضارة الغربية.
ويرى كوهين أن تسمية هذه الحركة، التي كان آخر إفرازاتها
تنظيم الدولة، بـ"العقيدة الظلامية"، يشبه تسمية "النازية" في ردة فعل لهزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وهذا صحيح ولكنه غير كافٍ. وليس من المجدي أن يتدرب الزعماء الغربيون على تصريحات بأنهم ليسوا في حرب مع الإسلام، عندما يكون هناك عشرات الملايين في البلدان المذكورة وعندهم أدلتهم من الدمار، يعتقدون بعكس ذلك.
ويذكر الكاتب أن البعض يقولون "لا تستفزوهم" (أي المسلمين)، ولا ترسموا صورا مسيئة للنبي محمد، وأظهروا الاحترام للإسلام، دين السلام لحوالي 1.6 مليار مسلم. ويعلق كوهين متسائلا: لكن أي استفزاز قام به دان أوزان حارس المعبد اليهودي في كوبنهاغن؟
ويجد الكاتب أن الإسلام ولد حركات سياسية كثيرة تسعى إلى السلطة، ولذلك يجب أن يكون عرضة للنقد من المعلقين والرسامين الذين يميلون للسخرية من الأديان.
ويتابع كوهين بأنه "على مدى الـ13 عاما، منذ اعتداءات تنظيم القاعدة في أيلول/ سبتمبر، فإن العالم يشهد سلسلة من الأعمال
الإرهابية، حيث تم تفجير قطارات في مدريد، وقطار أنفاق وحافلات في لندن، وقطعت رؤوس صحافيين غربيين، وذبح موظفو (شارلي إيبدو)، وقتل يهود في فرنسا وبلجيكا والدنمارك، وهذا ليس عمل (عقيدة ظلامية)، بل هو الإرهاب الجهادي".
ويلاحظ الكاتب أنه في أوساط اليمين السياسي الأوروبي، هناك غضب متزايد ضد الإسلام وضد المجتمعات المسلمة، التي تشعر بأن هناك تمييزا ضدها، وأنه لا يوجد تمثيل لها، وهي محقة في ذلك.
ويشير التقرير إلى أن عدة آلاف من الشباب الأوروبي المسلم انضموا لتنظيم الدولة، فيما يعيش يهود أوروبا على أعصابهم، في الوقت الذي تدعوهم فيه إسرائيل "للعودة". وفي أمريكا يقتل ثلاثة طلاب مسلمين فيما قد يكون جريمة كراهية، شجبها أوباما ووصفها بأنها "وحشية ومشينة"، ويخشى من نشوب عمليات ثأر.
ويتساءل الكاتب: لمن يمكن أن نوجه اللوم فيما يشهده المحيط العالمي من ارتفاع للمد الانتقامي الحاقد؟ ويجد أن هناك رأيين: الأول يقول بأن الغرب هو الملام؛ بسبب دعمه لإسرائيل (التي ينظر إليها على أنها آخر صيغة للإمبريالية الغربية في بلاد الشام)، والحروب (العراق)، والوحشية (غوانتانامو وأبو غريب)، وقتله للمدنيين (الطائرات دون طيار)، ونفاقه المدفوع بحب النفط (السعودية الحليف الذي يمول الجهاديين)".
ويبين كوهين أن الرأي الثاني يجد أن المسؤول هو الأنظمة العربية ومجتمعاتها المحرومة، التي تعاني من الديكتاتورية المنهمكة في محاربة الإسلام السياسي والقمع والمؤسسات المتهالكة والطائفية واستبعاد مشاركة المواطنين، ونظريات المؤامرة، وعدم التمكن من توفير الوظائف أو الأمل لشبابها.. وهذا ما يجعل الشباب يتوجهون إلى تنظيم الدولة.
ويقول الكاتب: "أنا أجد الرأي الثاني أكثر إقناعا، حيث إن صعود تنظيم الدولة، وحرب أوباما الجديدة، هما نتيجتان مباشرتان لفشل
الربيع العربي، الذي بدا أنه يوفر مخرجا للمجتمعات العربية التي تولد الجهاديين".
ويعتقد كوهين بأن العرب هم الوحيدون القادرون على إيجاد الحل، ولكن التاريخ لن يرحم أوباما أيضا؛ لفشله في دعم حركة التحرر القوية، التي نشأت في تونس وليبيا ومصر وسوريا وغيرها. فعدم التفاعل هو أيضا سياسة، وعدم التدخل هو ما أنتج الحال الذي نراه في سوريا اليوم.
ويردف الكاتب قائلا: "لا أزال أذكر كلمات شكري بلعيد، المحامي التونسي الجريء، قبل أن يغتاله إسلاميون متطرفون في 6 شباط/ فبراير 2013: (نستطيع أن نختلف بحسب تنوعنا داخل تركيبة مدنية ديمقراطية، نعم نختلف بحسب تنوعنا!)".
ويخلص كوهين إلى أن الحديث عن "عقيدة ظلامية" غير واضح، ما يعني أننا نهمل حقيقة الصراع بين الغرب والإسلام، وبالتالي تقويض نضال المسلمين الشجعان مثل بلعيد ضد الإسلاميين المتطرفين، مبينا أن المسلمين هم الوحيدون القادرون على هزيمة تجار الموت الجهاديين.