كتاب عربي 21

عواقب انهيار أسعار النفط على المالية الليبية

1300x600
لم يستقر مستوى إنتاج النفط في ليبيا منذ ثورة 17 فبراير، فقد عاد مستوى الإنتاج إلى مستوى قريب مما كان عليه قبل الثورة، وذلك بعد أشهر من سقوط النظام، وكان ذلك فوق توقعات الجميع حتى الشركات الأجنبية العاملة في حقل إستخراج النفط في ليبيا، ليستمر على وضعه هذا إلى منتصف 2013 حيث تراجع بشكل كبير بعد سيطرة مجموعات مسلحة تتبع حرس المنشآت النفطية بحجة التلاعب في إنتاج وتصدير النفط من قبل حكومة الدكتور عبدالرحيم، حيث وصل مستوى الإنتاج إلى نحو 500 ألف برميل من أصل 1.550 مليون برميل.

تقارير المؤتمر الوطني العام والحكومة قالت بأن خزينة الدولة خسرت ما يزيد عن 40 مليار دينار بسبب توقف إنتاج النفط وتوقف تصديره. 

وما إن ارتفع مستوى الإنتاج تدريجيا ليصل إلى نحو مليون برميل، حتى انهارت أسعار النفط بنسبة 55% وذلك من سقف 112 دولار للبرميل إلى نحو 51 دولار للبرميل، وذلك بين شهري يوليو 2014 وفبراير 2015. ووافق ذلك إنهيار سقف الإنتاج من جديد بعد إنطلاق عملية الشروق من قبل قوات فجر ليبيا للسيطرة على موانئ السدرة وراس لانوف، ليقف مستوى الإنتاج هذه الأيام عند مستوى لا يتعدى 360 ألف برميل تنتج من حقول الشرارة والفيل جنوب غرب البلاد.

آثار انهيار أسعار النفط تعم جميع الدول التي تعتمد بشكل أساسي على عوائد النفط في تمويل ميزانياتها، لكن الأثر مضاعف بالنسبة لليبيا بسبب إنهيار سقف إنتاجها بنسبة تزيد عن 70%، فبعد أن وصلت عوائد النفط إلى نحو 50 مليار دولار أمريكي عام 2012 من المتوقع ان لا تتعدى 10 مليار عام 2015.
هذه الأرقام تعني الكثير بالنسبة لأوضاع ليبيا، إذ تعاني الموازنة الليبية من اختلال كبير سببه ارتفاع نسبة الانفاق الإداري والتسييري مقاساً بنسبة الانفاق التنموي. فبند المرتبات والمكافآت يستهلك نحو 40% من الموازنة وبقيمة تصل إلى 24 مليار دينار ليبي، فيما يستهلك دعم السلع والمحروقات نحو 16% وبقيمة تصل إلى 13 مليار دينار ليبي.

معدلات بنود المرتبات والدعم مرتفعة جداً بالنظر إلى عدد السكان البالغ 6 مليون نسمة، وتشير العديد من التقارير الحكومية أن نسبة مرتفعة من مخصصات بند المرتبات والدعم لا تصل إلى المواطن بل تهدر بسبب الفساد والتهريب.

لقد أدى انهيار سقف إنتاج النفط وانهيار أسعاره إلى عودة ليبيا إلى معضلة عجز الميزانية والدين الحكومي الذي قاست منه أواخر الثمانينيات ومطلع التسعنيات من القرن المنصرم. فقد بلغ عجز الموازنة للعام 2014 حسب تقارير المصرف المركزي وتقارير ديوان المحاسبة نحو 25 مليار دينار ليبي، فيما يتوقع أن يرتفع العجز للعام 2015 إلى نحو 40 مليار دينار، في حال استمر مستوى الإنتاج ومستوى الأسعار على ما هو عليه اليوم.

إذ تذهب بعض التقديرات أن أسعار النفط في الأسواق العالمية لن تتعدى 60 دولاراً هذا العام، وذلك في حال باشرت الصعود بعد الانهيار الراهن، ولأنه لا بوادر واضحة لإمكان عودة النفط إلى مستوى سقف الإنتاج عام 2012 والبالغ 1.5 مليون برميل، وتأسيساً على سقف الإنتاج الحالي البالغ 360 ألف برميل فإن العجز مرشح للتعاظم، وسيستهلك مبالغ كبيرة من الاحتياطيات البالغة نحو 90 ملياراً.