تتوالى الأحداث الدامية في شبه جزيرة سيناء وتتواصل ضربات التنظيمات التكفيرية في تقدم نوعي ظهر جليا في تفجيرات العريش الأخيرة التي أتت عقب تنفيذ عملية التهجير وتفجير منازل سكان الشريط الحدودي برفح تحت دعوى محاربة الارهاب وتأمين المنطقة. وكانت المفاجأة وصول الضربات لمزيد من العمق الذي لم تكن تصل إليه بسهولة قبل ذلك، وهذا يعني ببساطة أن استراتيجية المواجهة المستمرة منذ سنوات لم تحقق الهدف المرجو منها، بل يبدو أن قدرات
التنظيمات المسلحة تتعاظم وتتطور أساليبها وتتمدد شعبيا – ولو على نطاق محدود – لأنه من المستحيل أن يستطيع هؤلاء التحرك بهذه الجرأة والمباغتة دون أن تكون الأرض ممهدة لهم بشكل ما.
بين أصوات موالية للسلطة ومطبلة لها وأصوات أخرى ناقمة على السلطة وتعاديها، يبقى الواقع الحقيقي الذي يقول إن سيناء قد خرجت عن حدود السيطرة وصارت تحت تصرف المجهول ولعل مشهد الكمين الذي نصبه عناصر أنصار بيت المقدس (ولاية سيناء حاليا) في منتصف النهار واختطفوا منه ضابطا قتلوه بعد ذلك، يشير إلى أن الصورة التي يحاول الاعلام الموالي للسلطة رسمها وترسيخها عن استقرار الأوضاع بسيناء واندحار الإرهاب صورة لا تمت للواقع بصلة.
أخطر ما يحدث الآن في طريقة معالجة الأزمة بسيناء هو خمسة مخاطر تمهد لما هو أسوأ وأشد خطورة:
أولا: توظيف الصراع الدائر بسيناء في صراع سياسي داخلي ما زال مستمرا بين السلطة الحاكمة وجماعة
الإخوان. ورغم أن الخصم الذي يحارب السلطة هو خصم تكفيري تعتمد منهجيته على التكفير وممارسة العنف وتقوم جماعات منه بتكفير جماعة الاخوان ذاتها ولا تعترف بمشاركتهم في العملية السياسية وامتثالهم للقوانين الوضعية، إلا أن السلطة قامت باستثمار رصيد المشاعر الشعبوية السلبية لدى قطاعات من
المصريين ضد الإخوان وتوظيف الهجمات الأخيرة لتكريس الكراهية ضد الإخوان الذين لم يثبت حتى الآن علاقتهم المباشرة بما يحدث في سيناء وإن كان بعض المحسوبين على الجماعة قد أبدوا شماتتهم في ما حدث.
ثانيا: تعميم الاتهام لأهل سيناء وتخوينهم عبر الأبواق الإعلامية الموتورة التي تكرر خطابها المستفز لأهل سيناء والذى يشعرهم بمزيد من الشعور بالاضطهاد والتمييز ضدهم، خاصة مع استمرار حالة التهميش المتراكمة منذ عقود مضت، بالاضافة إلى ما أحدثته عمليات التهجير الأخيرة من احتقان واسع لدى كل المضارين وذويهم.
ثالثا: حالة الهوس الفاشي التي اجتاحت وسائل الاعلام التي تدعو لحرب أهلية صريحة أسفرت حتى الآن عن حرق بعض المنازل والممتلكات على أيدي بعض البلطجية، وقد تتصاعد الأمور بتصاعد هذه الحملة الفاشية التي لا تستند لمنطق وتستخدم خطابات تحريض وشيطنة وكراهية تؤدي لاندلاع عنف قد يتبعه عنف مضاد وثأر حتمي.
رابعا: عمل هالة تقديسية تخص الحرب على الارهاب في سيناء بحيث يصبح أي حديث عقلاني يطرح تساؤلات موضوعية بدافع الخوف على الوطن، وبالا على صاحبه الذي يطالبونه بالصمت والاصطفاف وربما التطبيل، مع إخفاء للواقع الحقيقى والتعتيم المستمر على تفاصيل المشهد التي صارت الكوارث المتتابعة تقوم ببلورته بصورة مغايرة عما تطرحه السلطة وأبواقها.
خامسا: إقحام أطراف خارجية في الصراع وتحميلها المسؤولية دون دليل مادي واحد يتم تقديمه للرأي العام، وبدلا من الاكتفاء بصناعة الاستقطاب الداخلي وتأجيجه إذا بمسلسل الاستعداء يتواصل ليتجاوز الحدود المصرية.
من العبث اللعب بملف شديد الخطورة مثل ملف سيناء في صراع داخلي، ومن المرعب أن من يحذرون من لحاق مصر بمصير سوريا وليبيا والعراق يفعلون كل ما يأخذها لهذا الاتجاه الذي يحذرون منه، مصر تفقد سيناء مرة أخرى والعدو الحالي هم مصريون استحلوا دماء المخالفين بعد أن كفروهم، ومعهم ويساندهم بلا شك أصحاب مظالم انحازوا اليهم رغبة في الانتقام والنكاية في خصمهم، كلما زادت الضربات كلما تأكد اتساع دائرة التأثير والانتشار الذي يستجلب هذا التأييد الذي يساعد على تنفيذ عمليات أكثر نوعية وأشد دموية، لذلك فما حذرنا منه عند بدء عمليات التهجير نحذر منه مرة أخرى، معركة سيناء معركة حقيقية لا مجال للانهزام فيها لأن الانهزام يعني فتح الباب لداعش للوصول للقاهرة وتنفيذ خرافاتها وجرائمها.
اختلف مع السلطة وممارساتها، لكن لا تسفه من خطورة الحرب في سيناء وعواقبها، فليس أمام المصريين سوى استعادة سيناء أو فتح أبواب الجحيم على أنفسهم.