غزة منبع الجراح، فالألم فيها تتعدد صوره والضحية واحد، كل غزي سيحمل نوعا مميزا من المعاناة والمأساة، والاختلاف الوحيد يكمن في حجم تلك المأساة التي سيصاب بها، وعلى غرار ذلك ستجد مآسي تلم بالجميع بلا استثناء، والذنب الوحيد أنهم رفضوا الانصياع أو التسليم أو التفاوض على مبادئهم وإرث أجدادهم، فحملوا على عاتقهم مقاومة المحتل، وأن البندقية وحدها وسيلة للحوار وانتزاع الحقوق من المحتل، فدفعوا الثمن من دمائهم وأموالهم وحياتهم.
غزة التي تعيش تحت حصار ظالم امتد لأكثر من ثماني سنوات، أنهك فيه القطاع بكامل قطاعاته الإنشائية والصحية والتجارية والصناعية، وارتفعت نسبة البطالة لتتجاوز أكثر من 60%، ناهيك عن ما خلفه من مشاكل اجتماعية ونفسية وإحباط بين فئة الشباب، أضف إلى ذلك الفقر المدقع وفي إحصائية مخيفة نشرت من فترة وجيزة أن نسبة من هم تحت خط الفقر يتجاوز 80% وخاصة بعد الحرب الأخيرة على القطاع.
مؤلمة هي الحالة التي ألمت بشبابنا اليوم، شبح البطالة الذي يلاحقه لشح العمل في البلاد منذ أن تطأ قدمه الجامعة إلى أن يتخرج، وفئة العمال وأسرهم ليسوا بأفضل حال فهم في معاناة متواصلة منذ أن تم منعهم من العمل داخل الخط الأخضر، وهم الفئة الأكثر إهمالا من جميع الجهات، فهم فئة تشكل نسبة ليست بالهينة في المجتمع ولهم أسرهم وأبناؤهم. أما الفئة الجديدة التي تشكلت وتبلورت نتيجة الخلافات السياسية بين حركتي حماس وفتح فهي المشكلة من موظفي غزة، ممن هم لا يتقاضون رواتبهم منذ أكثر من عام، وتصرف لهم بين الفينة والأخرى مبالغ زهيدة غير كافية لتلبية حاجاتهم الأساسية، ورغم ذلك فإننا نجد فيهم المثال الرائع في المواظبة على العمل وإتقانه، رغم ما خلفه عليهم هذا الواقع من مشاكل متعددة. والمصيبة الأكبر هي التنكر لهؤلاء الذين قدموا عبر السنوات السابقة الكثير من الصور المشرفة، فمنهم من استشهد في الحرب ومنهم من أصيب، وعملوا في أحلك الظروف دون أن يتقاعسوا عن أداء واجبهم تجاه وطنهم وشعبهم.
غزة تعاني من مشكلة
الكهرباء أيضا منذ سنوات ولا حلول قائمة إلى اليوم، مخلفة على أثرها الكثير من المشكلات، فكم طفل مات من احتراق الشموع، فانطفأت سنوات عمره مبكرا، كم من مصنع توقف عن العمل وقام بتسريح العمال فيه بسبب التكاليف المرتفعة لتشغيل المولدات، ومعاناة المرضى وطلاب العلم وآخرين كثر.
معبر رفح وإغلاقه المستمر أمام المسافرين من المرضى وأصحاب الإقامات والعمل في الخارج والطلاب كذلك.. فمعبر رفح أصبح مرتبط بالسياسة المصرية الجديدة تجاه القطاع وكأننا إقليم معاد، رغم أننا لا ننكر أو نتنكر للدور المصري العظيم ووقوفها المشرف مع القضية
الفلسطينية منذ النكبة، ولكن أن يتم ربط الأمن في سيناء بفتح المعبر فهذا أمر لا يقبله العقل، فلماذا يتم إقحام غزة في الأمن الداخلي المصري؟ ولماذا يعاقب الجميع بلا استثناء بسبب موقف حزب أو جهة فلسطينية؟
غزة قدمت عبر السنوات السابقة صورا من التضحية وتحملت المعاناة، ودافعت عن شرف الأمة وقدمت خيرة قادتها وأبنائها. أهكذا يكون رد الجميل منكم يا أمتنا؟ أفيقوا لمعاناة إخوانكم في غزة، فقد ضاق بهم الحال، وتقطعت بهم السبل، منتظرين أن ينصرهم الله وأن تؤازروهم ولو بالقليل.