تحت عنوان "معركة الوراثة في
السعودية" كتب تسفي برئيل في صحيفة "هآرتس"
الإسرائيلية يقول إن الملك الجديد، سلمان، لم ينتظر إلى أن تبرد جثة أخيه المتوفى، وسارع بالإعلان عن تعيين محمد بن نايف وليا لولي العهد. وسيضطر محمد إلى الانتظار قليلا. سلمان (79 سنة) وهو مريض كما يبدو بـالزهايمر، لكنه كان وليا للعهد، ومع ذلك فان مقرن سيفقد اللقب اذا نجحت مخططات سلمان في إقناع مجلس الأمناء باستبدال محمد المحسوب على الجناح السُديري في العائلة به، وهو خصم للجناح الذي ينتمي إليه الملك عبدالله المتوفى.
وجاء في المقال: بالنسبة لمحمد، مقارنة مع مقرن، هناك علاقات جيدة له في جميع أرجاء المملكة، وخصوصا مع القبائل الكبيرة. وهو مقرب أيضا من الإدارة الأمريكية، ويعدّ مقاتلا عنيدا ضد الإرهاب، ومن ناحية أخرى يعدّ محافظا في كل ما يتعلق بحقوق الإنسان.
وتدور معركة الوراثة وتصارع القوى في المملكة، وتؤثر ليس فقط على مصير أبناء العائلة والمواطنين السعوديين، بل إنها تحمل في ثناياها تهديدا جديا لمكانة المملكة في الشرق الأوسط، وتأثيرا جديا أيضا على سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وهذا ما يفهمه الرئيس باراك أوباما الذي اختصر زيارته للهند من أجل الوصول إلى السعودية لتقديم التعازي ولضمان ألا يخرج الملك سلمان عن التقليد الطويل الذي بُنيت عليه العلاقات مع الولايات المتحدة.
هذا هو أيضا السبب الرئيسي لزيارة السيسي للمملكة، الذي يعكس أن وضع مصر يتعلق من الناحية الاقتصادية بشكل مطلق بالدعم السعودي. فالملك عبدالله منح مصر في السنة الأخيرة مليارات الدولارات، وتمكن قبل موته من صياغة المصالحة بين مصر وقطر. وعلى السيسي أن يتأكد الآن من أن التدفق المالي السعودي لن يتوقف في أعقاب موت الملك، وما زال في ذهن السيسي في زيارته للسعودية الطوابير الطويلة من المواطنين المصريين الذين يعانون من نقص الغاز المنزلي، وكذلك الأمر بالنسبة للديون التي تثقل على الخزينة المصرية. هذا إضافة إلى العمليات التخريبية في شوارع القاهرة وفي السكك الحديدية في سيناء.
عندما تُدار الحرب ضد الإرهاب، وعندما تكون حاجة لتمويل هذه الحرب، فلا بد من وجود جهة تقوم بالدفع. قبل أسبوع صرح السيسي أمام المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر بأنه يهتم بحقوق الإنسان أكثر من أي شخص آخر، ولكن هناك 90 مليون إنسان يجب أن يأكلوا ويشربوا ويعيشوا. وعندما تطالبون بحقوقهم لا تنسوا أنه يجب أن يعيشوا أولا.
هذه لم تكن بشرى جيدة للمعارضة التي عرفت من خلال وجود السيسي في الحكم في مصر أن أملهم في إحداث تغيير حقيقي لن يتحقق. أمس الأول كان يوم الذكرى السنوية الرابعة لبداية الثورة، وبعد المظاهرات والمواجهات مع قوات الشرطة وسقوط القتلى والجرحى والاعتقالات في أوساط المتظاهرين، فهم رواد الديمقراطية، ما هي حدود حرية التعبير؟
إن مصر ليست السعودية التي استثمر ملكها مليارات الدولارات في تحسين أجور العمل وبناء الوحدات السكنية. إن إسكان مليون شقة التي وعد بها السيسي مواطنيه سيتم تمويلها بشكل جزئي من اتحاد الإمارات العربية، وسينتظر سنوات أخرى للحصول على تمويل لإكمال هذا المشروع. ومن غير هذا الدعم قد تشتعل الاحتجاجات في مصر. وليس للسيسي الآن أي ضمانة بألا يقع النظام السعودي الجديد في أزمة قد تمس إمكانية تواصل الدعم السعودي لمصر.
هذا ليس القلق الوحيد الذي يثيره تبدل الحكم في السعودية. إن السيسي الذي يطمح إلى إعادة مصر إلى مكانتها زعيمة في الشرق الأوسط لا يعرف ما إذا كان الملك الجديد سيقوم بتنسيق سياسته مع مصر كما تصرف سلفه، أم أنه سيُلقن السيسي درسا في الزعامة.
وتنتظر السيسي أيضا هموم سياسية أخرى. ففي الحملة الانتخابية للبرلمان التي ستُجرى في مارس القادم سيتنافس أكثر من عشرين حزبا وحركة سياسية علمانية تحاول التكتل في جسم واحد في هذه الانتخابات. ومع أن هذا هو طموح السيسي إلا أنه لا يريدها جسما واحدا. يمكن للسيسي أن يضمن انتخاب برلمان داعم بواسطة قانون الانتخابات يتنافس فيه 120 نائبا من 567 في قوائم، و420 بصفة مستقلين وسبعة ممثلين يُعينون بشكل مباشر من قبل الرئيس. إنه يحاول الاحتفاظ بمقاعد لعدد كبير من المستقلين. وهكذا حاولت دائما أجهزة السلطة أن تقدم للبرلمان عددا أكبر من المستقلين بشكل لا يجعل حركات المعارضة تتكتل في جسم واحد مؤثر.
الانتخابات للبرلمان ستنهي المسيرة السياسية التي رسمها السيسي عندما تولى السلطة في يوليو 2013، ولكن قد لا تكون هذه هي النهاية حيث إن السيسي رسم خطواته بدون برلمان، فلماذا يقلق الآن؟