كتاب عربي 21

الآلة الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية: جيش الخلافة الإلكتروني

1300x600
لا شك بأن الحرب الإلكترونية في العوالم الافتراضية لا تقل خطورة عن الحروب العسكرية في العوالم الواقعية، فميادين الحروب المتزامنة تسعى للسيطرة على العقول والقلوب في ذات الوقت الذي تسعى فيه للسيطرة على  الأجساد والأراضي، ومع اشتداد المعركة في ميادين القتال تستعر في ميادين الدعاية، ويبدو أن المعركة الحالية هي الأشد والأوسع والأخطر في تاريخ الحروب الدولية على الجهادية العالمية، إلا أن الأداء الإعلامي المناهض للجهادية العالمية وتنظيم الدولة الإسلامية في العالم العربي يبدو تائها ومرتبكا ويفتقر إلى المصداقية، ففي الوقت الذي يبشر الإعلام المناهض بتراجع التنظيم ميدانيا في مناطق عديدة، يخرج تنظيم الدولة بأشرطة مصورة من داخل مناطق الصراع تؤكد سيطرته المكانية، وفي الوقت الذي يقدم التنظيم باعتباره صنيعة لنظام إقليمي أو دولي محدد، يقوم التنظيم بتصوير معاركه مع مختلف القوى، وبهذا فإن الآلة الإعلامية المناهضة لتنظيم الدولة الإسلامية تيدو عاجزة عن بناء سردية مقنعة لجمهورها، أما آلة تنظيم الدولة الإسلامية فقد برهنت على قدرتها على جذب جماهير من أكثر من 80 دولة، وتمكنت من بناء جيش إلكتروني فاعل في عوالم الجهاد الافتراضي.

جيش الخلافة الإلكتروني هو أحد التشكيلات التي تناصر تنظيم الدولة الإسلامية، وقد قام مؤخرا باختراق مواقع إلكترونية أمريكية هامة، فقد أكد البنتاغون في 12 كانون الثاني/ يناير باختراق حساب القيادة العسكرية الأمريكية للمنطقة الوسطى على موقع تويتر، حيث عنون أنصار الجهاد الإلكتروني الصفحة بـ"الخلافة الإلكترونية"، مضيفين عنوانا فرعيا: "نحن نحب الدولة الإسلامية". وكتبوا على الصفحة: "أيها الجنود الأمريكيون.. نحن قادمون.. احذروا"، كما أنهم نشروا أرقام هواتف تابعة لعسكريين أمريكيين وصورا على برنامج "PowerPoint"، وبعض الخرائط، كما  قام أنصار الدولة باختراق صفحة القيادة الوسطى على موقع اليوتيوب، وذلك عبر نشر تسجيلات مصورة من قبل التنظيم لعمليات ميدانية.

تعتبر الجهادية العالمية عموما وتنظيم الدولة الإسلامية خصوصا، أحد أهم الحركات والتنظيمات الراديكالية التي استثمرت الثورة الاتصالية في بث رسالتها الدعوية الدينية، وإذا كان الجيل الأول من الجهاديين اعتمد في بث دعايته خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي على وسائل الاتصال التقليدية الشفوية والكتابات الورقية، فقد استثمر الجيل الثاني دخول شبكة الإنترنت منذ منتصف التسعينيات من خلال تأسيس آلاف المواقع الجهادية، ومع الجيل الثالث الذي ولد من رحم الثورة السورية بداية عام 2011،  اعتمدت الجهادية العالمية وخصوصا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها "تويتر"، و"فيسبوك" و"دياسبورا"  بصورة مكثفة. كما يضع التنظيم روابط له على جاستبيست دوت أي تي  (Justpaste.it)، وهو موقع بولندي، لمشاركة الأفلام والبيانات.

وعلى الرغم من تنسيق الولايات المتحدة مع إدارة  مواقع التواصل وخصوصا "تويتر" للقيام بحملة واسعة لحرمان تنظيم الدولة الإسلامية من استغلال وسيلة الاتصال الإلكترونية الأهم في بث دعايته الأيديولوجية، وحرمانه من عمليات التجنيد والتعبئة، وذلك بتتبع حسابات التنظيم  وأنصاره وإلغائها، وذلك من خلال تتبع المعرفات، إلا أن الأمر يبدو مستحيلا مع وجود ملايين التغريدات وجيش إلكتروني يتكون من أكثر من 12 ألف مناصر،  فضلا عن مئات الأعضاء الفاعلين في صفوف تنظيم الدولة  الذين يتوافرون على خبرات كبيرة في مجال المعلوماتية، كما هو حال الجهادي الافتراضي الملقب بترجمان الأساورتي، الذي أنشأ مؤسسة إعلامية تحمل تتميز إصداراته المرئية بالاتقان وتتمتع بالانتشار، وقد تمكن تنظيم الدولة من استقطاب المئات من الكوادر المحترفة في مجال الإعلام والدعاية من العرب والأجانب، كما هو حال همام الحميدي، وهو من أصل يمني الذي انضم إلى صفوف التنظيم في سوريا، حيث أسس  منصة إعلامية تحت اسم "البتار"، ومجموعة من الجهاديين الافتراضيين أمثال: جرّاح، وخبيب القرشي، وحازم، ومفيد، وغيرهم.

يتمتع الإعلام بأهمية كبيرة داخل هيكلية تنظيم الدولة الإسلامية، وهو من أكثر التنظيمات الجهادية اهتماما بشبكة الإنترنت والمسألة الإعلامية، فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية في إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته السلفية الجهادية، فأصبح مفهوم "الجهاد الإلكتروني" أحد الأركان الرئيسية في فترة مبكرة منذ تأسيس جماعة "التوحيد والجهاد"، ثم القاعدة في بلاد الرافدين. وكان أبو ميسرة العراقي يتولى رئاسة القسم الإعلامي، وفي حقبة "دولة العراق الإسلامية" عام 2006 تولى المنصب أبومحمد المشهداني تحت مسمى وزير الإعلام، وكان أبو عبدالله  محارب عبد اللطيف الجبوري ناطقا باسم تنظيم الدولة، وفي عام 2009 أصبح أحمد الطائي وزيراً للإعلام، ويقود المؤسسة الإعلامية لتنظيم الدولة الإسلامية اليوم هيئة موسعة بقيادة أبي الأثير عمرو العبسي.

شهدت الهيئة الإعلامية لتنظيم الدولة تطورا كبيرا بالشكل والمحتوى، وتتمتع بدعم وإسناد كبير، وتعتبر مؤسسة "الفرقان" الإعلامية الأقدم والأهم، وقد ظهرت مؤخرا مؤسسات إعلامية عديدة تتبع التنظيم، مثل: مؤسسة "الاعتصام" ومركز "الحياة"، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسسة دابق الاعلامية، ومؤسسة الخلافة، ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي، ومؤسسة الغرباء للإعلام، ومؤسسة الاسراء للانتاج الاعلامي، ومؤسسة الصقيل، ومؤسسة الوفاء، ومجموعة من الوكالات التي تتبع الولايات والمناطق التي تسيطر عليها، كوكالة أنباء "البركة" و"الخير" وغيرها. كما صدر عدد من المجلات بالعربية والإنجليزية أمثال: "دابق" و"الشامخة"، وأنشأت الهيئة إذاعات محلية، مثل إذاعة "البيان" في مدينة الموصل في العراق، وإذاعة أخرى في مدينة الرقة في سورية، وهي على وشك إطلاق قناة الخلافة التلفزيونية.

كما يواصل التنظيم نشاطه الإعلامي من خلال العمل في المدونات، ومن أهمها مدونات باللغتين الروسية والإنجليزية، إذ تقوم الهيئة بترجمة الإصدارات الإعلامية إلى لغات أجنبية عديدة، كالإنجليزية والفرنسية، والألمانية والإسبانية والأوردو، وغيرها. ويسيطر التنظيم على عدد كبير من المواقع والمنتديات الإلكترونية، التي تحتوي على مكتبة هائلة وواسعة تختص بالأيديولوجيا والخطاب وآليات التجنيد والتمويل والتدريب والتخفي والتكتيكات القتالية وصنع المتفجرات وكل ما يلزم "الجهاديين" في عمليات المواجهة في إطار حرب العصابات وسياسات الاستنزاف.

تؤكد الأشرطة والمواد الدعائية التي تصدرها المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم كمؤسستي "الفرقان" و"الاعتصام"، على التحول الكبير في بنيته وقدراته الفائقة، وتكتيكاته العنيفة، واستراتيجيته القتالية المرعبة، فقد أصدر سلسلة من الأفلام المتقنة، أطلق عليها "صليل الصوارم"، بدءا من صليل الصوارم (1)  تموز/ يوليو 2012، وصليل الصوارم (2) آب/ اغسطس 2012، وصليل الصوارم (3) كانون ثاني/ يناير 2012، ثم صليل الصوارم (4) أيار/ مايو 2014.

بعد سيطرة التنظيم "الدولة الإسلامية على الموصل في 10حزيران/ يونيو 2014، قام بنشر سلسلة من الأشرطة الترهيبية تختص بعمليات "قطع الرؤوس"، بدأها بشريط مصور بعنوان "رسالة إلى أمريكا"، يقوم فيه عضو ينتمي إلى التنظيم بقطع رأس رهينة أميركي يُدعى جيمس فولي، ثم قام التنظيم بعد أيام قليلة في 2 أيلول/ سبتمبر 2014، بنشر شريط آخر يحمل العنوان نفسه يتضمن قطع رأس رهينة أميركي ثانٍ يدعى ستيفن سوتلوف، وكلا الرهينتين صحافيان أميركيان، ثم بث التنظيم شريطا مصورا آخر بعنون "رسالة إلى حلفاء أمريكا" في 14 أيلول/ سبتمبر 2014،  يقوم فيه أعضاؤه بقطع رأس رهينة بريطاني لدى التنظيم، يدعى ديفيد هينز، وفي 3تشرين أول/ أكتوبر بث التنظيم شريطا يقوم فيه بقطع رأس رهينة بريطاني آخر يدعى ألن هينينغ، ويهدد فيه بقطع رأس رهينة أميركي يدعى بيتر كاسيغ.

ومن أهم الإصدارات التي كان لها وقع كبير على موقع "يوتيوب": إصدار "كسر الحدود" بتاريخ 29 حزيران/ يونيو 2014، و"خطبة البغدادي في الموصل" بتاريخ 5 تموز/ يوليو 2014، وسلسلة إصدارات بعنوان: "رسائل من أرض الملاحم" وهي سلسلة توثق إنجازات وعمليات التنظيم تصدر تباعا بلغت حتى الآن (50) إصداراً، وكذلك سلسلة إصدارات بعنوان: "فشرد بهم من خلفهم"، ويغطي الجزء الأول معركة تحرير اللواء 93 في ولاية الرقة السورية بتاريخ 23 آب/ أغسطس 2014، والجزء الثاني يغطي معركة تحرير مطار الطبقة في ولاية الرقة السورية بتاريخ 7 أيلول/ سبتمبر 2014. وهنالك إصدار "على منهاج النبوة"، بتاريخ 28 تموز/ يوليو 2014. ويعتبر فلم "لهيب الحرب"، من أضخم الإصدارات والأكثر دقة ورعبا، ويتضمن تغطية لمعارك عديدة لتنظيم الدولة ورسالة موجهة لدول التحالف المشاركة في الحملة على التنظيم، وقد أصدره الجناح الإعلامي التابع للتنظيم الخاص باللغة الإنجليزية "مركز الحياة"، بتاريخ 17 أيلول/ سبتمير 2014.  

تمتلك الآلة الاعلامية لتنظيم الدولة مجموعة من الخبراء الذبن يتوافرون على دراية كبيرة بوسائل التواصل الاجتماعي، ويعرفون جيدًا كيف تُدار دفتها، فهُم يتسمون بالذكاء الشديد في التواصل مع هذا الجيل، ويستخدمون وسائل عدة بحسب المنبر الاجتماعي وأين ينتشر بكثرة؛ فهم يستخدمون تويتر في الخليج، ولكن في سوريا يستخدمون فيسبوك، وتعمل المجموعة بطريقة لا مركزية مثيرة، ومعظمهم في دول الخليج أو شمال إفريقيا، وقد نجح التنظيم في تسخير شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الخوف والرعب بطريقة فائقة غير مسبوقة تاريخيا، واستخدم التقنيات الحديثة لتوثيق أعماله الميدانية عبر الصور ومقاطع الفيديو المروعة، بغية إبراز قوة التنظيم وإيصال رسالته إلى أكبر شريحة من المتلقين لكسب عناصر جديدة تدعمه على أرض المعارك التي يخوضها عناصره، وهذا فإن  آلة تنظيم الدولة الإعلامية تعمل بشكل منسق وممنهج، وهو أول تنظيم يستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية كسلاح فعال في الحرب، الأمر الذي ساعد التنظيم في بسط نفوذه على وسيطرته على الأرض، كما حدث في العراق حبث نشر التنظيم مجموعة من الصور والأفلام لعملياته المرعبة  الأمر الذي دفع العراقيين للنزوح إلى أماكن بعيدة خشية أن يلقوا ذات المصير.

خلاصة القول أن الآلة الإعلامية لتنظيم الدولة تتمتع بقدرات تقنية فائقة وكفاءة كبيرة في التعامل مع العوالم الافتراضية والثورة الاتصالية وشبكات التواصل الاجتماعي، وقد تمكن من تأسيس جيش إلكتروني ممتد، وبات لديه جهاز إعلامي متطور قادر على الدخول في أفق اللعبة الإعلامية واستثمار منصاته الإعلامية كآليات للتلاعب بالعقول من خلال الاستناد إلى  صناعة زخم إعلامي للتنظيم، نجح في  تصوير تنظيم الدولة الإسلامية كقوة عظمى لا يمكن كسر شوكته وهزيمته.