كتاب عربي 21

ربيع رغم داعش ورغم براميلكم

1300x600
لا شغل للإعلام الرسمي العربي ولنخب الاستبداد هذه الأيام بل ومنذ بداية ثورات الهامش إلا اقناعك بأن الربيع العربي كذبة كبرى، وبأن الثورات ليست إلا فوضى ودمار كبير، وهو رأي وجد طريقه إلى عقول الكثير من العرب بل حتى من المثقفين والنخب التي صارت تروج عن وعي وعن غير وعي لهذا الأكاذيب.

يتمنى الجماعة لو يستطيعون محو ثلاث سنوات من عمر الأمة العربية هي الأهم والأخطر طوال تاريخها المليء بالهزات والانفجارات؛ لأنها المرة الأولى التي يُسقط فيها "المهمشون والفقراء من أبناء المنبوذين" رأس أشرس الأنظمة الدموية في تاريخ البشرية المعاصر ولا يزالون. 

استثمر الجميع من أبواق الثورة المضادة في رأسمال الدمار الذي خلفته سنوات من تجريف الوعي وتزييف الوقائع وتزوير التاريخ والجغرافيا وسحق لكل الأدوات النقدية في العقل العربي.  الوطن العربي اليوم أطلال على مدى البصر من نواق الشط إلى أسوار بغداد، وخراب في المجتمع والدولة، بدءا بالصحة وصولا إلى التعليم مرورا بكل أنواع الحشيش والمخدرات المادية والرمزية التي يجود بها النظام الرسمي العربي. من هذا الخراب ومن مدائن الملح التي وضع أساسها نظام الموت خرجت إرادة الحياة وهتفت حناجر المهمشين في مدن الصفيح والبرد هناك في مدينة القصرين وسيدي بوزيد بأن الشعب يريد إسقاط النظام، وكان له ذلك ومن لم يغن يومها مع شاعر تونس "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"؟. في لحظة الفورة الكبيرة هذه خفتت أصوات إعلام العار، بل جارت الموجة الثورية وخرج من داخل الاستبداد ثوار ما بعد الثورات يتحسسون في فحيح خافت صدق الثوة وحجم الموجة القادمة.

الخطاب المقاوم للتغيير كان خافتا في بداية الثورات عندما كانت الموجة الثورية مرتفعة وحين كانت مطالب الجماهير عالية لا تنزل عن إسقاط النظام نفسه، رغم دعوات النخب العربية إلى إصلاح النظام والتعايش معه. شبكات النهب المنظم وهياكل المصالح المترامية في المنطقة العربية أدركت أن هذا التغيير لن يكون في صالحها بل سيكون حتما ضد ما نهبته من نفوذ ومكاسب مادية ومعنوية طوال حقبة الاستبداد. فمنذ بداية الانفجار الكبير تحركت آلة الاعلام الرسمي لتصف الأحداث الجارية بأنها مؤامرة كبيرة على الأمة، وبأن خطة ما رسمت في ظلام الغرف القاتمة من أجل تقسيم المقسم وتفتيت المفتت. في هذا الاطار يدخل كل المعجم المضاد الذي وضعته الدولة العميقة من أجل الصمود في وجه الانفجار الكبير الذي ضرب المنطقة فجر 17 ديسمبر 2010 بريف تونس الفقير. الذخيرة الاصطلاحية الحية التي قصفت العقل العربي والخطاب الثوري منه بشكل مركز روجت لنماذج اصطلاحية كالشتاء أوالخريف الاسلامي والفوضى الخلاقة مرورا بجهاد النكاح وصولا إلى داعش. هذه النماذج اللسانية ليست في الحقيقة توصيفا موضوعيا لمعطيات على الأرض بقدر ما تحمل أساسا رسائل شيطنة للمنجر الثوري على الأرض. 
  
من جهة أخرى لم تنشط نظرية مثل ما نشطت نظرية المؤامرة خلال السنوات الأربعة الأخيرة عندما لم يجد النظام الاستبدادي العربي تفسيرا لرغبة الانسان المقموع في الحرية والانعتاق سوى اتهامه بتواطؤ مع أعداء الوطن دون أن يدرك أنه هو عدو الأوطان كلها. المؤامرة منوال تحليلي في قراءة الوقائع والأحداث وهو كغيره من المنوالات التحليلية يحتاج إلى اثباتات موضوعية وإلى مرتكزات واقعية وأدلة جنائية لكنه في منطق الاستبداد العربي تحول إلى سلاح فتاك ضد كل نفس  معارض.  

النظام الدموي في سوريا وقبله النظام الشمولي في ليبيا دفع منذ البداية بنظرية المؤامرة إلى قلب المشهد عندما كُلفت أقلاما مأجورة في الصحافة العربية خاصة برفع شعار المؤامرة على النظام العربي في السوريا وعلى ملك ملوك إفريقيا.

ألم يصف أحد " كبار الاعلاميين العرب" ثورة 17 فبراير المجيدة بأنها "ثورة النيتو" ؟ 

ألم يساند أغلب القوميين العرب أنظمة الاستبداد واصطفوا إلى جانب الطغاة والجلادين ضد شعوبهم ؟

أليسوا يساندون إلى اليوم سفاح الشام صاحب أكبر مذبحة في التاريخ الحديث ؟

ألم يكن القذافي على وشك ارتكاب مذبحة كبرى في بن غازي لولا تدخل المجتمع الدولي ؟

إلى اليوم ورغم المجازر التي لا تحصى في حق الشعب السوري وفي حق أبناء سوريا فإن إعلام العار العربي لا يزال يتحدث عن رجل المقاومة وعن نظام الممانعة. هل بقيت في سوريا مدرسة لم تقصف ألم يأكل السوريون القطط والكلاب الميتة  ؟ أ لم يمت أطفالهم بردا وجوعا في حين يشتري أمير عربي جحشة أنجليزية بمليوني دولار فعن أية ممانعة تتحدثون ؟  

الربيع العربي حقيقة لا تقبل الطمس ونتائج المنجز الثوري على الأرض لا يمكن أنكارها بل إن دروس التغيرات الأخيرة في المنطقة هي أعمق الدروس التي ربحها الوعي العربي خلال العقود الأخيرة. وليست فزاعة الإرهاب التي ترفع كل يوم في وجه أشكال المقاومة والرغبة في التغيير إلا آخر أسلحة الثورة المضادة في إخماد النفس الثوري الذي لن يستكين حتى يبلغ منتهاه رغم كل براميل النفط وبراميل نظام الممانعة.