أكد تقرير حقوقي أن عام 2014 كان الأكثر دموية مثل انطلاق الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، مشيرا إلى مقتل أكثر من 60 ألفا، في حين شهدت البلاد جريمة "
إبادة جماعية" واحدة في كل يوم تقريباً خلال العام.
ويعكس التقرير السنوي الثالث عشر للجنة السورية لحقوق الإنسان استمراراً للانتهاكات والجرائم الممنهجة التي يُمارسها النظام السوري منذ آذار/ مارس 2011، حيث شهدت حالة
انتهاكات حقوق الإنسان في سورية مواصلة لنهج الانتهاكات الذي اتبع على مدار السنوات السابقة، مع تصاعد في عدد الضحايا واتساع لرقعة الانتهاكات.
ويُظهر التقرير أن سورية شهدت جريمة إبادة جماعية واحدة في كل يوم تقريباً خلال عام 2014. وقد اعتمد التقرير معيار وجود 10 قتلى في هجوم واحد لتسجيل هذا الهجوم كجريمة إبادة جماعية. وقد وثق التقرير أيضا 155 مجزرة خلال العام المنصرم.
وحسب التقرير، فإن عام 2014 هو الأكثر دموية في سورية من بين الأعوام الأربعة الماضية، حيث قُتل ما يزيد عن 60 ألف شخص في هذا العام، "ومع ذلك فقد كانت ردود الفعل الدولية والإقليمية وحتى المحلية تجاه الانتهاكات المستمرة الأضعف مقارنة مع نظيراتها في الأعوام السابقة".
ولفت التقرير، الذي تُصدره اللجنة بشكل منتظم منذ عام 2001، إلى أن البراميل المتفجرة كانت السلاح الأكثر حضوراً في الخبر الحقوقي اليومي خلال عام 2014، حيث ألقى الطيران المروحي للنظام ما يقارب من 11 ألف برميل متفجر، نالت مدن حلب وريفها وريف درعا وريف دمشق النصيب الأكبر منها، فيما سُجل ارتفاع ملحوظ في معدلات استخدام النظام للغازات السامة والقنابل العنقودية في قصفه للمدن السورية، وخاصة ريف حماة وريف دمشق وريف درعا، ومدن حلب ودمشق.
وأشار التقرير إلى أن حضور "الدولة الإسلامية" في هذا العام شكّل عاملاً مهماً في الأزمة السورية، حيث أضاف التنظيم حضوره من خلال طرق القتل الجديدة والمبتكرة، كصَلب الضحايا لعدة أيام، وتنفيذ أعمال الإعدام أمام الجمهور، بمن فيهم الأطفال، وتنفيذ أعمال سحل الجثث أمام الجمهور؛ والإعدام ركلاً. بالإضافة إلى طريقة التنظيم في تصوير وتسويق
الجرائم التي يقوم بها، حسب التقرير.
وقد سجّل عام 2014 انخفاضاً ملحوظاً في استخدام قوات النظام لصواريخ سكود في قصف المدن والقرى السورية، ويمكن أن يُعزى هذا الانخفاض إلى ارتفاع تكلفة هذه الصواريخ بالمقارنة مع البراميل المتفجّرة، ذات التكلفة البسيطة والصناعة المحلية.
الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري:
واصل النظام السوري في عام 2014 سياسته في الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري. وأشار التقرير إلى أنه ومنذ بداية الاحتجاجات الشعبية في عام 2011 فإن الأجهزة الأمنية وقوات الجيش والميليشيات الشعبية تمتلك صلاحية اعتقال أي شخص، بغض النظر عن عمره أو جنسه، ولا تحتاج إلى أي أوراق قانونية، ولو حتى بالصورة الشكلية، لممارسة هذا الاعتقال، ولا يمكن لذوي المختطف تعقّب مكان وجود ابنهم، ولا يُمكّن المختَطفُ من الاتصال مع العالم الخارجي إلا بعد الإفراج عنه.
وقال التقرير بأن عام 2014 شهد ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة حملات الاعتقال التي تقوم بها قوات الجيش وقوات الأمن في المناطق التي ما تزال تحت سيطرة النظام، وعلى الحواجز المنتشرة في هذه المناطق، من أجل اعتقال الشبّان في سن التجنيد.
وفيما يتعلق بالمحاكمات التي تجري للنشطاء، أشار التقرير إلى أن هذه المحاكمات، والتي تفتقر أصلاً إلى أدنى معايير المحاكمات العادلة، وتتم أمام محاكم استثنائية، بدأت في السنوات الثلاث الماضية تشهد انخفاضاً ملحوظاً، وأصبحت السلطات تكتفي بعرض النشطاء الأكثر شهرة، فيما يتم التعامل مع معظم المعتقلين ضمن إجراءات الاختفاء القسري، والتي لا تضطر معها السلطات الأمنية حتى لممارسة الإجراءات الشكلية التي قد تحدّ من صلاحيات القائمين على عمليات الخطف والتحقيق.
استهداف القطاع الصحي:
تابعت قوات النظام والميليشيات الشعبية المحلية والأجنبية الموالية لها اعتداءاتها الممنهجة على القطاع الصحي والعاملين فيه، بما في ذلك المستشفيات الرسمية والميدانية، وسيارات الإسعاف، واستهداف الأطباء والممرضين والمسعفين.
كما وثّق التقرير استمرار قوات النظام بشكل رئيسي، وعناصر "الدولة الإسلامية"، وقوات الفصائل المختلفة، في استخدام مباني القطاع الصحي كمراكز عسكرية، أو وضع آليات عسكرية في نطاقها، بما يحوّلها بشكل كلي أو جزئي إلى أهداف عسكرية.
وإضافة إلى توثيق 37 مشفى ومركزا صحيا خلال عام 2014، تناول التقرير الحالة التي تمر بها المشافي والمراكز الصحية في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام، حيث تُعاني هذه المشافي من نقص حادٍ في المواد الطبية والأدوية، وتعمل معظمها بدون الأجهزة الأساسية التي تحتاجها في عملها، مثل أجهزة غسل الكلى، والتي تحتاج إلى صيانة وقطع غيار غير متوفرة، كما تفتقر الكثير من المشافي الميدانية إلى المواد الطبية الأساسية، بما في ذلك مواد التخدير، حيث شهدت العديد منها إجراء عمليات جراحية دون تخدير.
اللجوء والنزوح:
استمرّت أزمة اللجوء السورية في التضخم بصورة تزيد عن حالها في الأعوام السابقة، حتى أصبح السوريون وللمرة الأولى في التاريخ الموثّق في المرتبة الأولى عالمياً في طلبات اللجوء في الدول المستقبلة للاجئين، وفي المرتبة الأولى عالمياً في عدد النازحين.
وأشار التقرير إلى ارتفاع أعداد السوريين الطالبين للجوء حول العالم بشكل مضطرد منذ عام 2012، حيث تم تسجيل 2914 طلب لجوء في 44 دولة مستقبلة اللاجئين في الربع الأول من عام 2012، ليصبح عدد السوريين الذي تقدموا بطلبات لجوء 26486 في نهاية الربع الثاني من عام 2014، أي أن أعداد طالبي اللجوء من السوريين قد تضاعفت بحوالي تسع مرات.
وتناول التقرير قضية قوارب الموت التي شكّلت ظاهرة أساسية من ظواهر عام 2014، حيث مثّل اللاجئون السوريون الباحثون عن اللجوء في أوربا النسبة الأكبر من بين اللاجئين الذين يُغامرون بركوب قوارب مُتعَبة لعبور البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا.
كما عرض التقرير لأوضاع اللاجئين السوريين في دول الاستضافة واللجوء، وتناول الانتهاكات التي تعرّضوا لها خلال هذا العام في هذه الدول.
انتهاكات ضد القطاع التعليمي:
شهد عام 2014 توسعاً للانتهاكات التي شهدها القطاع التعليمي في الأعوام الثلاثة السابقة، والتي شملت استهدافاً مباشرة للطلبة والهيئات التعليمية، والمدارس نفسها، إضافة إلى استهداف الخدمات التعليمية التي لم يتمكن 2.8 مليون طفل سوري من الحصول عليها خلال عام 2014، في ثاني أعلى معدّل على مستوى العالم في التسرّب المدرسي.
كما استمرت قوات النظام وكتائب المعارضة وتنظيم "الدولة الإسلامية" باستخدام المدارس كمراكز حربية، بشكل كامل أو جزئي. وقد وثّقت اللجنة (27) مدرسة استخدمتها قوات النظام كمقرات عسكرية، مقابل 8 مدارس استخدمها تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومدرستين استخدمتهما كتائب المعارضة المسلحة.
استخدام الأسلحة المحرمة دولياً:
واصل النظام السوري استخدامه للأسلحة المحرمة في قصف المدن السورية، وفي المعارك الدائرة، في متابعة للنهج الذي بدأه منذ الأشهر الأولى لعام 2012 وحتى الآن.
ولم يُسجّل عام 2014 أي استخدام للأسلحة الكيمائية، حيث أشار التقرير إلى أن النظام عمل على استخدام الغازات السامة بشكل مكثّف خلال عام 2014، رغم التزامه بعدم استخدام الأسلحة الكيميائية من النوع الأول، مستفيداً من غياب موقف دولي حازم لوقف جرائم الحرب، ومن عدم تصنيف هذه الغازات، وخاصة غاز الكلور، كأسلحة محرمة بذاتها، وعدم شمولها بقرار مجلس الأمن رقم 2118.
وخلال عام 2014، وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان (97) هجوماً باستخدام القنابل العنقودية، و(69) هجوماً بالغازات السامة.
استهداف وسائل الإعلاميين:
استمرت سورية خلال عام 2014 بتبوّء المركز الأول عالمياً باعتبارها الدولة الأكثر دموية وخطورة على حياة الصحفيين، وهو المركز الذي تحتله منذ عام 2012.
وكما في عام 2013، فقد توزّعت أعمال استهداف الإعلاميين بين جهتين أساسيتين، وهما: النظام السوري، والمجموعات المتطرفة، وخاصة تنظيم "الدولة الإسلامية". فيما كان نصيب مجموعات المعارضة محدوداً من هذه الانتهاكات.
وقد سجّلت اللجنة السورية لحقوق الإنسان مقتل 19 صحفياً خلال عام 2014، منهم 7 غير سوريين، ومقتل 51 ناشطاً إعلامياً سورياً.
وإلى جانب أعمال القتل، فقد وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان إصابة 36 صحفياً وناشطاً إعلامياً خلال عام 2014، معظمهم متأثرين بالقصف العشوائي المستمر، أو نتيجة لإطلاق نار قد يكون عشوائياً أثناء تغطية الاشتباكات.
كما سجّل التقرير انتهاكات ممنهجة من طرف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، والذي يُسيطر على ثلاث مناطق في سورية، حيث قامت قوات الآسايش التابعة للحزب باعتقال الصحفيين في المناطق التي يُسيطر عليها، وبمصادرة أجهزتهم، وبتهديدهم، وفي إحدى الحالات بإبعادهم إلى خارج سورية.
استهداف دور العبادة:
واصلت قوات النظام خلال عام 2014 استهدافها لدور العبادة، والمساجد على وجه الخصوص، متابعة للنهج الذي بدأته منذ النصف الثاني من عام 2011، في استهداف المؤسسات الحيوية كالمدارس والأسواق والمستشفيات ودور العبادة.
وقد قامت قوات النظام في هذا العام بمتابعة الاستهداف المباشر للمساجد من خلال الغارات الجوية، وقذائف المدفعية والدبابات، حيث وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان استهداف (82) مسجداً خلال هذا العام، بالإضافة إلى كنسيتين، ومقام ديني.
وقد شهد عام 2014 تعمداً من طرف قوات النظام السوري لاستهداف المساجد وقت صلاة الجمعة، في الوقت الذي تزدحم فيه المساجد بالمصلين، مما يشير إلى رغبة لدى هذه القوات بإيقاع أكبر عدد من الضحايا والإصابات في صفوف المدنيين. حيث وثّقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان (15) استهدافاً للمساجد خلال صلاة الجمعة، أو لحظة خروج المصلين منها، بالإضافة إلى هجوم واحد أثناء صلاة التراويح في رمضان.
كما شهد عام 2014 استهداف المساجد بالسيارات المفخخة، وهي ظاهرة لم تكن حاضرة بشكل كبير في الأعوام الثلاثة السابقة، ولم تُعرف في معظم الحالات الجهات التي تقف وراء تفجير هذه السيارات. حيث وّثقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان (9) سيارات مفخخة انفجرت بالقرب من مساجد خلال عام 2014، منها (7) أثناء خروج المصلين من صلاة الجمعة.
للاطلاع على نص التقرير اضط
هنا