إذا كانت نهاية عام 2013 شهدت انطلاق شرارة
الحرب الأهلية في
جنوب السودان، إلا أن عام 2014 شاهد على تعمق آلام المواطنين في الدولة الأفريقية الوليدة، فضلا عن أن ملاحقة السلام عبر الوساطات الدولية حتى نهاية ذلك العام لم تسفر عن تقدم ملحوظ قبل ساعات من انقضاء آخر ساعاته.
في 2014 اشتدت المواجهات العسكرية بين طرفي النزاع من الحكومة والمعارضة المسلحة واتسعت رقعة المواجهات خارج مدينة
جوبا العاصمة ووصلت عدوى الحرب إلى مدينة بور الاستراتيجية في ولاية جونجلي (شرق).
وكان هذا التحرك الذي وقع في بداية 2014 بالسيطرة على بور ووصول ريك مشار نائب الرئيس المقال إليها، فحدث انشقاق في الجيش وبقية الوحدات النظامية الأخرى حيث انضمت الغالبية العظمي للتمرد الجديد، ووقعت مواجهات عسكرية انتهت إلى تدمير كامل للبنية التحتية للمدينة التاريخية، وفقد العديد من المدنيين أرواحهم، لا توجد حتى اليوم إحصائية دقيقة بعددهم.
كما فر أكثر من 20 ألف مواطن إلى مقر بعثة الأمم المتحدة بالمدينة، وهو نفس الشيء الذي حدث في بقية عواصم إقليم أعالي النيل في جنوب السودان.
وضاعفت المواجهات العسكرية في جنوب السودان من مخاوف دول المنطقة، حيث تقدم رؤساء منظمة تنمية دول شرق إفريقيا "إيغاد" بمقترح وساطة لحل الأزمة في الدولة الوليدة.
وبمجرد أن زار وفد من وزراء خارجية إيغاد جوبا حتى أعلنت الحكومة عن موافقتها على التفاوض مع المتمردين، وبعد 5 أسابيع من النزاع الدامي، أفلحت جهود وساطة ايغاد في إقناع الطرفين في الخامس من شهر يناير/ كانون ثان بالدخول في مفاوضات مباشرة، انتهت أولى مراحلها بالتوقيع علىاتفاق فى 23 يناير/ كانون ثان الماضى، يقضى بوقف العدائيات بين الجانبين وإطلاق سراح المعتقلين السابقين.
ولكن الحكومة قامت فقط بإطلاق سراح 7 منهم وتحفظت على 4 آخرين لاتهامهم بالتورط المباشر فيما أسمتها المحاولة الانقلابية الفاشلة وتمسكت بضرورة تقديم هؤلاء الأربعة للمحاكمة.
ولم يصمد اتفاق وقف إطلاق النار طويلا، إذ سرعان ما تجددت الاتهامات بين الطرفين بخرقه، بعد أقل من 24 ساعة، في 25 يناير/ كانون ثان، وذلك عندما وقعت معارك متفرقة في نواحي بور ومدينة بانتيو، اللتين كانتا تحت سيطرة الحكومة، ليتوالي بذلك مسلسل الخروقات وتبادل السيطرة علي مدينة ملكال في أعالي النيل (شمال)، وبور عاصمة جونجلي (شرق)، وبانتيو عاصمة ولاية الوحدة (شمال غرب).
وبمجرد أن استشعرت الولايات المتحدة أن هناك خطرا يتهدد مستقبل السلام في جنوب السودان، قام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، بزيارة جوبا في 4 فبراير/ شباط، التقى خلالها رئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت، حيث اقترح خلال الزيارة أن يلتقي زعيما الطرفين سلفاكير، ومشار للاتفاق على حكومة انتقالية تضع حدا للحرب الدائرة في البلاد، وبتقدير كثير من المراقبين فإن الطرح الأمريكي جاء لصالح مطالبات المتمردين بتشكيل حكومة انتقالية للوحدة الوطنية.
ورغم ذلك استمرت المواجهات التي أدت إلى فرار العديد من المدنيين من مناطق سكنهم في المدن الكبيرة بأعداد ضخمة، انتهى بهم المقام كلاجئين في دول مجاورة مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا والسودان، كما لاذ أكثر من 350 ألف مواطن بمعسكرات الأمم المتحدة خوفا من أن تتعرض حياتهم للخطر، وهددت الأزمة أيضا حوالي مليون و500 ألف مواطن في جنوب السودان بخطر الجوع.
ومع تمسك جوبا بمحاكمة مجموعة الأربعة بدأت أولى جلسات الاستماع في محكمة المديرية في يوم 11 من مارس/ آذار، في مواجهة الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم، ووزير الأمن القومي السابق اوياي دينق اجاك، ونائب وزير الدفاع السابق مجاك اقوت، وسفير جنوب السودان السابق لدى الولايات المتحدة ايزيكيل لول جاتكوث.
وحينها طالب لوكا بيونق أحد قيادات الحزب الحاكم في تصريح لمراسل الأناضول بجوبا، رئيس جنوب السودان بالعفو عن المعتقلين الأربعة وبدء عملية مصالحة حقيقية بين جميع الأطراف المتنازعة داخل قيادة الحركة الشعبية الحزب الحاكم، لكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث، وعندما بدأت الحكومة تتحسس حرجها لعدم كفاية الأدلة في التهم المواجهة ضد المتهمين تدخل سيلفاكير عبر وزير العدل وقام بإيقاف إجراءات المحكمة، التي قال خبراء قانونيون إنها كانت ستنتهي ببراءة المتهمين الأربعة في النهاية.
وعقب ذلك قادت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون لجوبا في 7 مايو/ آيار إلى تسليط أنظار العالم على النزاع الدائر في جنوب السودان والذي بلغ مداه الزمني 6 أشهر دون توقف، وقدم دعوة مباشرة للرئيس سلفاكير وغريمه مشار بالجلوس في طاولة حوار مباشرة لإنقاذ أوضاع البلاد بشكل فوري، الشيء الذي وافق عليه الطرفان بدون تردد.
وبالرغم من أن لقاء سلفاكير، ومشار كان نقطة انطلاق حقيقية للتفاوض بين الطرفين، وتحت تأثير الضغط الدولي، وقعا في منتصف مايو/ آيار على مصفوفة أمنية جديدة تعد الثانية.
ولكن استمرار اندلاع المواجهات العسكرية كان في كل يوم يزيد من قناعات المجتمع الدولي على ضرورة تكريس المزيد من الجهود لإنجاح العملية السلمية في جنوب السودان.
ولاتزال عملية التفاوض بين الطرفين تراوح مكانها حتى الآن دون التوصل إلى تفاهمات نهائية في ملفات قسمة السلطة والملفات الأمنية.
وأصدرت منظمات انسانية عاملة في جنوب السودان تحذيرات مبكرة من نذر مجاعة تهدد حياة الملايين من المواطنين في جنوب السودان، مالم يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين فرقاء البلد الجديد.
وفي إطار جهود دول الإقليم لحلحلة النزاعات الداخلية تقدم الحزب الحاكم بتنزانيا بمبادرة حوار داخلي لقيادات الحزب الحاكم في جوبا، بدأت أولى جلساتها في مدينة أروشا نهايات يوليو/ تموز وتم التوقيع خلالها على ما تعارف عليه باسم إعلان أروشا الذي أعلنت فيه قيادات الحزب الحاكم في المعارضة والحكومة والمعتقلين السابقين عن التزامهم بالحوار من أجل إصلاح وإعادة توحيد الحزب الحاكم في جنوب السودان.
حاليا تدخل الأزمة عامها الثاني، ولا تلوح في الأفق القريب أي ملامح سلام ينهي المعاناة ويخفف الآلام عن شعب جنوب السودان، الذي أصبح يتلقى طعامه من منظمات الإغاثة الدولية بعد 3 أعوام فقط على مولد الدولة.