هل تعلم أننا لا نرى إلا وجهاً واحداً للقمر! وهكذا
غزة بالنسبة لمن يعيش خارجها لا يراها إلا من جانب واحد فقط، الجانب الذي تظهر فيه كأرض البطولة والنضال والمقاومة، يرونها عظيمة كما أبنائها بتضحياتهم بأنفسهم وأولادهم وأموالهم متحملين كل النكبات التي يمرون بها من ظلم الأخ المسلم والجار العربي قبل المحتل الغاصب.
لكن ما لا يعرفه أحد عن غزة أنها أرض الأحلام المقتولة والطموحات المغتالة والشعب الذي دفن حياً ليس عليه إلا أن يتنازل عن كافه حقوقه كإنسان ليلبي لمن يتحكم بأمره حاجاته ويغذي نزواته في السلطة والحكم. هذه الأرض الصغيرة المهمشة من هذا العالم يتم وضعها تحت المكروسكوب في فترات معينة لتكون مادة إخبارية بامتياز تتصدر نشرات الأخبار وعناوين الصحف فقط في الحروب والنكبات وما أن تهدأ الأوضاع قليلاً لتعود مرة أخرى إلى الظل وليعود المقهورون فيها بلا أمل، لطالما ما قدموا تضحيات وليست هذه مشكلتهم فهم دوماً على استعداد لتقديم المزيد لكن جل ما يتمنون أن يعيشوا فيها بكرامة يمارسون إنسانيتهم كما باقي الشعوب.
هذه الأرض تحوي بين جنباتها الكثير الكثير من الخبث ويزيد عليه الحقد والحسد والبغضاء نظراً لأنها كما أسلفت مغلقة معزولة عن محيطها، ما لا يراه الميكروسكوب العالمي أنها أرض يكثر فيها الطفيليات والمتسلقين سارقي النجاح وسالبي الأمل، يتقربون منك ليعرفوا نقاط ضعفك بعد ان رأوا منك جميل صنعك وصلابة فكرك وإخلاصك في العمل مع حبك غير المتناهي في تقديم يد المساعدة لغيرك، يتغذون على أحلامك ليزدادوا بطشاً بك من خلال الوهم الذي زرعوك فيه رغماً عنك، كما مصاصي الدماء يمتصون دمك وجهدك وحتى مالك، يلقون لك بالفتات على وعدٍ واهٍ منهم أنهم سيقدمون لك الأفضل إذا ما فرجت أمورهم، لكنهم يا هذا يخدعوك.
قد يتعجب القارئ مما قد سبق له قراءته في هذا المقال، لكن لمَ العجب هل رأيت سجيناً في سجنه يوماً قد تحسنت أخلاقه فتاب عن جرائمه، أكاد أجزم أنه ما من مسجون قد خرج من سجنه وقد غيره ذك للأفضل إلا من يرحمه الله.
فلننتقل لوجهٍ آخر حيث الموظفين غير المسؤولين المتواجدين في كل مكان: المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والخاصة والمنظمات الدولية، هذا النوع من البشر كجذع شجرة مقطوع، يذهبون إلى أماكن عملهم في الصباح ليس لهدف سوى لتحصيل راتب آخرِ الشهر، ليس لديهم أدنى استعداد لأداء أعمالهم المكلفين بها ولا يفعلونها إلا مرغمين خوفاً من مدرائهم أو من شكوى قد تصل المسؤولين عنهم.
يماطلونك أياماً عديدة يجترون بها وقتك وصحتك وسلامتك العقلية والنفسية، تظل تتردد عليهم وفي كل مرة يرسلونك إلى أشباههم فتتحول أنت في ساعتها إلى كرة يركلك كل موظف لغيره ولا تجد نفسك إلا دائراً في دائرتهم المغلقة دونما أدنى إنجاز لتعود في آخر النهار إلى بيتك محملاً بأطنانٍ من البؤس والشقاء وكأنهما لم يكتبا لغيرك، تخنقك عبراتٌ تجمدت في مقلتيك كأنها جبال من الجليد القابع على صدرك، ناهيك عن معاملتهم لك بازدراء واحتقار كأن الله لم يخلق سواهم.
لكل الذين ألبسوا غزة ثوب الطهارة والبطولة، لكل الذين لا يرون الظلم الواقع على أهلها الذي دفعهم للتحول إلى وحوشٍ كاسرة في وجه بعضهم البعض، هذا الثوب لا يليق بغزة ليس لأنها لا تستحقه؛ بل لأن شعبها يريد حياةً أبسط كونهم بشر عاديون مثلهم مثل باقي البشر وليسوا أبداً أبطالاً خارقين.