بدأت
الدولة الإسلامية منذ أيام بالتحضير لما أسماها مناصرون لها بـ"
غزوة الخندق" في
الموصل ثاني أكبر المدن
العراقية، والتي سيطرت عليها قبل أكثر من ستة أشهر وتعد المعقل الأساسي لها في العراق، بالتزامن مع تصاعد وتيرة تصريحات المسؤولين العراقيين عن قرب إعلان ساعة الصفر لبدء معركة "تحرير" المدينة.
وبدأت الدولة الإسلامية منذ أكثر من أسبوعين بحفر خندق يحيط بالموصل من ثلاثة محاور؛ الأول من الجهة الشمالية والثاني من الجهة الغربية، أما الثالث فهو من الجهة الجنوبية، وهو الأهم استراتيجيا، حيث يسعى التنظيم للإسراع في تنفيذه لا سيما مع تقدم قوات الجيش العراقي في قضاء بيجي التابعة لمحافظة صلاح الدين والقريب من المدينة.
وقالت مصادر داخل مدينة الموصل، إن الدولة الإسلامية عملت على تنظيم مناقصة لمقاولين محليين لتعهد إنجاز مشروع حفر خندق يحيط بالموصل، يكون خطاً دفاعياً أول عنها، ويعمل على صد هجوم مرتقب للقوات الحكومية وقوات البيشمركة (جيش إقليم شمال العراق)، والتي أعلن مسؤولون في الطرفين عن قرب بدئه، وذلك بالتزامن مع التقدم الذي حققه الجيش العراقي قبل أكثر من أسبوعين باستعادة السيطرة على قضاء بيجي.
وقال العميد طه اللهيبي أحد ضباط شرطة نينوى الذي يشرف على قوة عسكرية للشرطة التي تعيد الحكومة تشكيلها في معسكر "تحرير نينوى" قرب ناحية بعشيقة (12 كلم شرق الموصل)، إن التنظيم يحاول من خلال حفر الخندق حول المدينة "تأمين دفاعاته وإيجاد عقبات أكبر بوجه قوات التحرير (القوات العراقية) التي تواصل تقدمها باتجاه الموصل من عدة محاور".
وأضاف اللهيبي أنه "في حال نجح التنظيم في تنفيذ هذا المشروع، فإن استعادة مركز مدينة الموصل سيحتاج لأعوام عدة، وسيتطلب إيجاد خلايا وقوات من داخل المدينة لدحره، وهذا الأمر يصعب تحقيقه في أيام أو شهور".
من جهته، قال عدنان نعمة المحلل الأمني والعسكري إن الدولة الإسلامية لا تهدف من حفر خندق حول الموصل إلى التصدي للقوات العراقية وإيقاف تقدمها فحسب، وإنما التضييق على السكان ومنعهم من الخروج من المدينة لاتخاذهم دروعاً بشرية، وكذلك منع الشباب من الالتحاق بمعسكرات "التحرير" التي يقيمها الجيش العراقي لتشكيل وتدريب المتطوعين للمشاركة في تحرير المدينة.
وأوضح نعمة وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، أنه على الرغم من أن هذا الخندق قد يساهم في إعاقة وعرقلة القوات البرية التي تسعى للتقدم باتجاه الموصل من عدة محاور؛ إلا أن طيران التحالف وطيران الجيش العراقي يستطيع تدمير دفاعات الدولة الإسلامية خلف الخندق وإشغال مقاتليه بشكل يمكن القوات المهاجمة من خرقه وتخطيه باتجاه الموصل.
وقال مقاول شارك في المناقصة التي طرحتها الدولة الإسلامية لمشروع حفر الخندق، طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من عقاب التنظيم كونه ما يزال في الموصل، إن الأخير عمل على إجراء مناقصة لمشروع الخندق لمقاولين محليين لا تختلف كثيراً عن المناقصات التي تطرحها الجهات العامة التابعة للحكومة العراقية لتنفيذ المشروعات الخدمية والإنشائية.
وأضاف أن الشروط الفنية لتنفيذ المشروع تنص على أن يبلغ عمق الخندق المتر ونصف المتر وكذلك الأمر بالنسبة لعرضه، ويتوسطه حاجز كونكريتي (اسمنتي)، وتقدر تكلفة تنفيذ الكيلو متر الواحد خمسة ملايين دينار عراقي (4350 دولار أمريكي)، مشيراً إلى أنه "لم يتم تحديد طول الخندق المزمع إنشاؤه كون الأمر مرتبطا بالعمليات العسكرية في محيطه"، على حد قوله.
بدوره، قال سعد الأحمدي مهندس معماري من أبناء الموصل ونزح عنها إلى أربيل بعد سيطرة الدولة الإسلامية عليها، إن مشروع خندق الموصل بحاجة إلى إمكانيات مادية وبشرية كبيرة جداً.
وأضاف أن تنظيم الدولة الإسلامية سيعمل على استثمار الموارد الحكومية والمعدات الإنشائية التي وضع يده عليها بعد سيطرته على مدينة الموصل في حزيران/ يونيو الماضي في تنفيذ مشروعه الجديد.
ولفت إلى أن التنظيم يحاول القيام بدور الدولة من خلال تسييره للعمل المصرفي والمؤسسات الأهلية وجميع نواحي الحياة في الموصل، إضافة إلى استخراج النفط وتسويقه، وأيضاً جبي الأموال من السكان لقاء الخدمات التي يوفرها، وكذلك جمع إيجارات المحلات التي كانت ملكاً للأوقاف، وكذلك يعمل على تأجير حتى الأرصفة للباعة الجوالين.
من جهة أخرى، توقع زهير إسماعيل الأستاذ في جامعة الموصل والمحلل الاقتصادي، إقبالاً كبيراً من أبناء الموصل على أعمال حفر الخندق؛ بسبب الأوضاع المادية الصعبة التي يعيشونها.
وقال إسماعيل المقيم حالياً في أربيل، بعد نزوحه عن الموصل، إن الحصار الاقتصادي المفروض على المدينة منذ أكثر من نصف عام وإغلاق الدوائر الحكومية وتوقف المدارس وأغلب المهن والمصانع فيها، أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين صفوف الشباب كذلك ازدياد نسبة الفقر التي وصلت خلال الشهور الثلاثة الماضية إلى 30 بالمائة بعد أن كانت 19 بالمئة خلال العام 2013، دون أن يبيّن مصدر النسب التي ذكرها.
وحول الأجر الذي يتم دفعه للعاملين في حفر المشروع، أضاف إسماعيل أنه لا علم له بمبلغ دقيق، إلا أنه استدرك بالقول "إن العاطل عن العمل ويعيش في ضائقة مادية سيضطر للعمل بأي أجر يقدم له".
ويعمل أنصار الدولة الإسلامية على إطلاق تسمية "غزوة الخندق" على معركة الموصل المرتقبة من خلال مداولاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، استعادة لذكرى "غزوة الخندق" (وتسمى أيضاً غزوة الأحزاب) التي وقعت في شوال من العام الخامس للهجرة (627 ميلادي) بين المسلمين بقيادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والأحزاب الذين هم مجموعة من القبائل العربية المختلفة التي اجتمعت لغزو المدينة المنورة والقضاء على المسلمين.
ويعود سبب الغزوة إلى قيام يهود بني النضير بنقض عهدهم مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومحاولتهم قتله، فوجه إليهم جيشه فحاصرهم حتى استسلموا، ثم أخرجهم من ديارهم، ونتيجة لذلك، همَّ يهود بني النضير بالانتقام من المسلمين، فبدأوا بتحريض القبائل العربية على غزو المدينة المنورة، فاستجاب لهم بعض القبائل العربية ثم انضم إليهم يهود بني قريظة الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق.
وتصدَّى الرسول والمسلمون للأحزاب، وذلك عن طريق حفر خندق شمال المدينة المنورة لمنع الأحزاب من دخولها، ولما وصل الأحزاب حدود المدينة المنورة عجزوا عن دخولها، فضربوا حصاراً عليها دام ثلاثة أسابيع، وأدى هذا الحصار إلى تعرض المسلمين للأذى والمشقة والجوع، وانتهت غزوة الخندق بانسحاب الأحزاب، وذلك بسبب تعرضهم للريح الباردة الشديدة التي أرسلها الله عليهم بنص القرآن الكريم.