يبدو أن المتغيرات السريعة التي عصفت، وما تزال، بالمنطقة، باتت تفرض واقعاً جديداً على حركة المقاومة الإسلامية "
حماس"، ابتداءً من الحصار الخانق على قطاع غزة، وانتهاء بمشهد إقليمي يحاول الإطاحة بالحركة، ما دعاها إلى إعادة قراءة وضع المنطقة من جديد، وترميم ما تأثر من علاقات خلال السنوات الأربع الأخيرة في المنطقة، وأهمها علاقتها مع
إيران.
في الوقت ذاته تحاول إيران التي تورطت في المستنقع السوري والعراقي، واهتزت صورتها "الممانعة" في العالم العربي والإسلامي، مَدَّ جسور العلاقة إلى جميع الأطراف لتحسين صورتها أمام الشعوب العربية.
وتحاول "عربي21" في هذا التقرير استعراض جذور العلاقة بين الطرفين، وسيناريوهات تطورها بعد أربع سنوات من الفتور الأقرب إلى القطيعة.
البداية
بدأت العلاقة بين إيران وحماس في مطلع التسعينات، وكان العامل المشترك هو الرؤية الثابتة لمشروع تحرير فلسطين ورفض الاعتراف بإسرائيل، وما شدد على عمق العلاقة، الخلفية الإسلامية التي ينطلق منها الطرفان. وقد بلغت ذروتها في العام 2006، إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتصدي مقاتلي حزب الله الحليف الإيراني في لبنان للاحتلال.
وتعمقت العلاقة أكثر بعد الحسم العسكري في غزة عام 2007، بعد سيطرة حماس -الفائزة بالانتخابات التشريعية في العام 2006- على القطاع، حيث دعمت إيران حكومة إسماعيل هنية، في مواجهة الحصار الذي فرض عليها دوليا. وبلغ الدعم المادي والعسكري ذروته في العام 2008، في حرب الفرقان (الرصاص المسكوب).
وعلى الرغم من الاختلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا الدولية بين الطرفين طيلة سنوات علاقتهم، والذي لم يؤثر على ما يربطهم، إلا أن العلاقة شهدت توتراً بداية
الربيع العربي، وانتفاضة الشعب السوري ضد الحليف الإيراني الرئيس بشار الأسد.
الأزمة السورية وحماس
ومع انطلاق الثورة السورية في العام 2011، بدأ منحنى العلاقة بالهبوط نحو الفتور، حيث ضغطت إيران على الحركة للوقوف إلى جانب الرئيس السوري ضد انتفاضة شعبه، إلا أن موقف حماس حينها هو "دعم خيارات الشعوب".
وهو ما أكده القيادي في حماس مشير المصري لـ"عربي21" بقوله إن الحركة كانت وستبقى "مع حرية الشعوب، ومع تطلعها الى الحرية والأمن والاستقرار ومع التعبير عن إرادتها في رفع أي ظلم كان".
هذا الموقف لم يعجب إيران التي ألقت بكامل ثقلها في
سوريا، ودعمت الأسد حليفها الرئيسي في المنطقة بالمال والسلاح، ولم تكتفِ بذلك، بل أرسلت كتائب تابعة للحرس الثوري، وتورطت بسفك دماء السوريين، مبررة سلوكها بالوقوف مع الأسد بأنها لن تتخلى عن محور "الممانعة" والمقاومة لإسرائيل.
وكانت نتيجة ذلك الموقف هو دفع حماس الثمن وخروجها من سوريا وإغلاق مكاتبها فيها، وتوقف الدعم الإيراني الذي امتد إلى سنوات طويلة.
أربع سنوات على الربيع العربي
بعد أن خاض الربيع العربي مخاضات عسيرة في السنوات الأربع الماضية، يقول رئيس مركز الزيتونة للدراسات محسن صالح إن حماس التفتت إلى ما حولها، فوجدت "حصاراً إسرائيليا بعد حرب مدمرة في غزة، وتشديداً وخصومة من الانقلاب في مصر، ورهانًا لم ينجح حتى الآن على المصالحة الداخلية".
ويضيف صالح لـ"عربي21" أن "هذه الأمور، بالإضافة إلى استهداف الإسلام السياسي في المنطقة، وضعت حماس أمام خيارات صعبة وقليلة".
وفي الوقت نفسه، يقول المصري، للأسف هناك تخلٍ من الدول العربية عن دورها باتجاه القضية الفلسطينية.
هذا الأمر دعا حماس إلى إعادة قراءة المشهد وبناء علاقاتها من جديد، والتحرك في إطار نشاط سياسي للحركة، مع تأكيدها مراراً أنها لن تتخلى عن مبادئها مع إيران أو غيرها.
أما في الجانب الإيراني، فقد ضحت الجمهورية بكامل رصيدها الشعبي العربي والإسلامي، الذي اكتسبته خلال السنوات الماضية. ويقول الباحث في الشأن الإيراني علي باكير، إنه ومنذ اندلاع الثورة السورية وأسهم الإيرانيين في المنطقة كلها هابطة، وصورتهم أصبحت سلبية.
ويضيف باكير في حديثه لـ"عربي21" أن الإيرانيين "يبحثون عن مخرج يعيد لهم ماء الوجه في المنطقة ويحسن من صورتهم، وبالتالي يعيدهم الى اللعبة من جديد شعبيا، لذلك أفضل ورقة في هذا المجال في الحسابات الإيرانية هي الورقة الفلسطينية، وذلك عبر تحسين العلاقات مع حركة حماس".
كما يحاول الإيرانيون من خلال العلاقة مع حماس، بحسب باكير، إعادة شرعية النظام السوري من جديد، إقليميا ودوليا بمساعدة غير مباشرة من الحليف الروسي، والاستفادة في الوقت ذاته من موقف أوباما تجاه الأزمة. هذا على الصعيد الدولي، أما الشعبي فستكون ورقة حماس مهمة في إعادة تسويق النظام السوري شعبيا، وتحت شعار الممانعة.
لكن توقـُع باكير في تدخل حماس بدعم وتسويق النظام السوري، خالفه فيه محسن صالح حيث رأى أن الأزمة السورية لن تكون على طاولة المفاوضات، إنما سيتم التعاون في الأمور المشتركة، وتلافي الحديث والاصطدام في الشأن السوري، وهو ما أيده كتاب ومحللون آخرون رأوا أن حجم التوتر الشعبي في أوساط المسلمين السنة بسبب سوريا والعراق واليمن لا يمكن أن يغير فيه أي شيء، بما في ذلك العلاقة مع حماس، معتبرين أن شعبية الحركة نفسها قد تتأثر بسبب عمق المشار المناهضة لإيران في المنطقة.
السيناريوهات المتوقعة
ونتيجة لهذا التقارب الإيراني الذي بدأ في ربيع العام الجاري، وارتفعت وتيرة حراكه الأيام القليلة الماضية من خلال زيارة وفد من المكتب السياسي لحماس إلى إيران، وشكر قدمه الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، فإن العلاقة ستكون مرشحة لثلاثة سيناريوهات:
إما أن تترمم العلاقة بشكل جيد، وتعود إلى سابق عهدها، وإما أن تتحسن العلاقة بشكل طفيف، وتصبح عادية دون اتهامات بين الأطراف، وإما أن تبقى على ما هي عليه من برودة.
ويرجح رئيس مركز الزيتونة محسن صالح أن تتحسن العلاقة قليلا، ولكنها ستبقى متأثرة بالظروف الإقليمية كما أن ظروف إيران الاقتصادية وأولوياتها وبدائلها، قد لا تعيد مستوى الدعم ذاته لحماس إلى سابق عهده.