تساءل الصحافي ريتشارد سبنسر في صحيفة "صاندي تلغراف" ماذا تعني تبرئة الرئيس المخلوع حسني
مبارك لمصر؟، وقال إن تبرئة مبارك جعلت العجلة تدور دورة كاملة. ومهما كان وصف الحكم فسينظر إليه طرفا النزاع على أن
مصر الممزقة قامت بوضع ختم على ثورة ميدان التحرير.
ويصف الكاتب "يوم الغضب" بأنه من أكثر الأيام إثارة وأكثرها تصويرا في التاريخ الحديث. فقد طردت جماهير حاشدة الشرطة المصرية، التي كانت تعذب المصريين وتثير رعبهم من وسط القاهرة ومن كباري النيل، حيث وقفوا جنبا إلى جنب مقابل خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.
وتشير الصحيفة إلى أن المعركة للسيطرة على ميدان التحرير أثارت انتباه عدسات التلفزة العالمية، حيث كانت فرقها تصور الحدث من على شرفات المباني والفنادق في وسط القاهرة، وكانت لحظة تعلن بداية النهاية للديكتاتوريات العربية.
ويكشف التقرير أنه بعيدا عن الكاميرات كانت هناك قصة أخرى يتم نسجها، ففي أحياء القاهرة والاسكندرية وغيرهما من المدن المصرية كان المتظاهرون الفوضويون يقومون بحرق مراكز الشرطة. وكان رجال الأمن يقاتلون المتظاهرين بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها، وهي إطلاق الرصاص الحي عليهم.
ويبين الكاتب أنه سقط في التظاهرات ما مجموعه 846 قتيلا، ولم يلحظ الناس هذه الحوادث؛ بسبب ما جرى في ميدان التحرير، حيث عمت الفرحة بنجاح الثورة وسقوط الديكتاتور.
ويتساءل سبنسر: هل كانت عمليات القتل نتيجة سياسة مقصودة من النظام وأوامر عليا؟، ويجيب أنه لم يكن هناك مجال للتفكير بطريقة آخرى، إن أخذنا بعين الاعتبار الطبيعة الهرمية للسياسة المصرية، حيث تصدر الأوامر كلها من جهات عليا.
ويجد الكاتب أنه كان من المستحيل أن يدفع مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي ثمن هذه الجرائم في تلك الأيام. وترافقت فظاعة ليلة 28 كانون الثاني/ يناير بما حدث في أماكن أخرى في مصر.
ويرى سبنسر أن الأهم من هذا هو أن الرئيس عبدالفتاح السيسي مدين بمنصبه للموقف المتشدد الذي اتخذه من المتظاهرين قبل الانقلاب الذي جلبه للسلطة، مع أن هناك عددا أكبر قتل في التظاهرات وسجل التسلسل القيدي محفوظ.
ويوضح بأن حكومة السيسي تلقت تحذيرات أن عملية فض اعتصام رابعة والنهضة قد تودي بحياة متظاهرين يقدر عددهم بألفين أو ثلاثة آلاف. وتمت مناقشة إمكانية التعرض للمساءلة القانونية والمحاكمة فيما بعد.
ويناقش التقرير أنه قد يقول مؤيدو النظام إن هناك قوى أخرى كانت تعمل في ليلة 28 كانون الثاني/ يناير في إشارة لقرار الإخوان المسلمين الانضمام للثورة. فقد كان الإسلاميون أكثر قوة وتنظيما من الجماعات الأخرى، وكانوا مصممين على إنشاء نظام في مصر حسب رؤيتهم.
ويذهب الكاتب إلى أنه قد تكون هناك حقيقة في هذا الزعم، إلا أن الأحداث أظهرت وجود عداء ضد الإسلاميين مثل العداء ضد مبارك. وبينما فشل الليبراليون والسياسيون العلمانيون في تنظيم أنفسهم وأثبتوا ضعفا في تسويق أفكارهم عن مصر التي كان يتنازعها الإسلاميون والعسكر. فبعض الليبراليين يدعمون السيسي اليوم، مع أن حكمه أكثر وحشية من حكم مبارك. ويزعمون أن حكومة مستقرة رغم وحشيتها تعطيهم الفرصة لنثر بذور
الديمقراطية، ويشيرون إلى حكم بينوشيه في تشيلي والديكتاتوريات السابقة في آسيا مثل كوريا الجنوبية وتايوان.
ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى زعم نظام السيسي أنه ثوري، ولكن النظام الذي حكم من خلاله مبارك زعم أنه ثوري طوال العقود الستة الماضية. فالديمقراطية الحقيقية تحتاج لعقود كي تنمو وفي الوقت الحالي يظل القتلة من أجل الدولة أحرارا دون عقاب.