اقتصاد عربي

التداعيات السلبية لتدهور قيمة الجنيه المصري

تدهور الجنيه المصري أمام الدولار حتى وصل الأخير لـ "7.70 جنيه" تدهور الجنيه المصري أمام الدولار حتى وصل الأخير لـ "7.70 جنيه"
تدهور الجنيه المصري أمام الدولار حتى وصل الأخير لـ "7.70 جنيه"
تراجعت قيمة الجنيه المصري على مدار السنوات الأربع الماضية بنحو 35 %، فبعد أن كانت قيمة الدولار في نهاية عام 2010 ما يعادل 5.90 جنيه، قفزت قيمة الدولار في السوق الموازية حالياً لتصل إلى "7.70 جنيه"، أما السوق الرسمية فقيمة الدولار بها تصل إلى 7.15 جنيه، أي إن نسبة تراجع قيمة الجنيه بالسوق الرسمية 21.1 %.

وقد استنزفت سياسة حماية سعر الجنيه المصري المتبعة من البنك المركزي، جزءاً كبيراً من احتياطي النقد الأجنبي، الذي وصل إلى 16.9 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2014، بعد أن كان بحدود 36 ملياراً بنهاية ديسمبر 2010، ومما يمثل مصدر إزعاج للسياسة النقدية في مصر، اعتماد احتياطي النقد الأجنبي الحالي على المكون غير الذاتي المتمثل في الودائع الخليجية والليبية والتركية.

أسباب تراجع قيمة الجنيه

المشاهد على مدار السنوات الأربع الماضية، يوضح وجود فارق في سعر الدولار بالسوق الرسمية والسوق الموازية بنحو 25 قرشاً، إلا أن هذا الهامش قفز خلال نوفمبر الحالي ليصل إلى الضعف تقريباً، أي 55 قرشاً. ويرجع ذلك لعوامل كثيرة من بينها ما نشر عن قيام البنك المركزي المصري بإغلاق نحو 15 شركة للصرافة خلال الأيام الماضية، لفترات تتراوح ما بين شهر و3 أشهر. 

ولكن العوامل الدائمة لتراجع قيمة الجنيه المصري، ترتبط بهيكل الاقتصاد المصري، ووجود خلل في تدفقات النقد الأجنبي بمصر، وعلى رأس هذه العوامل العجز المزمن في الميزان التجاري المصري، حيث تمثل الصادرات المصرية دوماً نسبة 50 % أو أقل من حجم الواردات المصرية، وكذلك تغير طبيعة الميزان البترولي منذ عام 2008، ليتحول الفائض بهذا الميزان إلى عجز، وصل في عام 2012/2013 لنحو 500 مليون دولار.

ومنذ ثورة 25 يناير، وهناك تأثير سلبي بشكل واضح على موردين مهمين للنقد الأجنبي بمصر، وهما السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وكذلك استمرار استيراد السلع الاستهلاكية، التي تمثل ما يزيد عن 20 % من إجمالي الواردات السنوية لمصر، والتي تقترب من 60 مليار دولار، على الرغم من توافر إمكانيات إنتاج هذه السلع في السوق المحلي، سواء ما يتعلق منها بالسلع الزراعية والغذائية، أو السلع المصنعة الأخرى. وليست العودة لسياسة "إحلال محل الواردات" بالأمر السلبي، بل هي من صميم أداء إيجابي للاقتصاد المصري، بما يخفف من الضغط على الدولار، وكذلك تشجيع الصناعات والمنتجات المحلية، وتوفير فرص عمل، تتسم بالاستقرار، في ظل تزايد السكان المستمر في مصر.

أيضاً الالتزامات الخارجية على مصر، تمثل أحد الضغوط على الطلب على الدولار، فمصر لديها التزام بسداد 2.5 مليار دولار في نهاية نوفمبر 2014، وكذلك سداد 650 مليون دولار في إطار التزامات ديون نادي باريس.

وهناك عامل لابد من أخذه في الاعتبار، يمكن أن يكون له دور ملموس في هذه الموجة من ارتفاع قيمة الدولار، وهذا العامل يتمثل في قيام الحكومة خلال أكتوبر الماضي بتدبير 1.4 مليار دولار كقرض من البنوك المحلية والأجنبية بمصر، لسداد جزء من مستحقات شركات النفط الأجنبية، وبلا شك فإن الجزء المسدد بالجنيه المصري لهذه الشركات، سوف تقوم بتحويله للدولار، سواء من خلال السوق الرسمية، أو الموازنة، وبلا شك فإن اللجوء للسوق الموازية في هذه الحالة، ولو بجزء قليل، سيكون أحد الأسباب غير المرئية أو غير المرصودة في ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية. 

التداعيات السلبية

السؤال الذي نحن بصدده في هذه السطور، هو: ما هي التداعيات الاقتصادية السلبية لاستمرار تراجع قيمة الجنيه المصري، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها مصر الآن، وبخاصة في ظل وعود من محافظ البنك المركزي المصري بالقضاء على السوق الموازية خلال 6 أشهر أو عام على الأكثر؟

ارتفاع قيمة الواردات

يتسم هيكل الواردات المصرية بعدم المرونة، حيث إنه يمثل التزامات حتمية، ما بين 20% من الواردات من السلع الاستهلاكية، التي لا يقابلها منتج محلي، أو المواد الخام والسلع الوسيطة التي تعد من مستلزمات الإنتاج المحلي، التي تمثل نحو 43% من هيكل الواردات، وكذلك السلع الاستثمارية وهي عبارة عن العدد والآلات ووسائل الانتقال، وهي تمثل نحو 17% من إجمالي الواردات المصرية.

وهيكل الواردات بهذه الصورة لا يعتمد على إعادة التصدير، ولكنه يركز بشكل أساسي على السوق المحلي، وفي ظل عدم قيام البنوك المصرية بتوفير التدابير المالية للمستوردين بنسبة 100%، فإنهم يقومون بتدبير احتياجاتهم من السوق الموازية، التي يزيد فيها السعر عن  السوق الرسمية، ومن هنا ستظل فاتورة الواردات تمثل عبئاً على الاقتصاد، وبخاصة فيما يتعلق بتكلفة الإنتاج.

 فالمستثمر المصري يبيع منتجاته بالجنيه المصري، ويستورد احتياجاته بالدولار. ومما يدلل على عدم مرونة هيكل الواردات المصرية، أن إجمالي الواردات في عام 2008/2009 بلغ 50.3 مليار دولار، وفي يونيو 2013/2014 بلغ 59.8 مليار دولار، بزيادة قدرها 9.5 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 18.8 %، في الوقت الذي ظلت الصادرات فيه خلال الفترة ثابتة، أو تزيد بمعدل طفيف، ففي 2008/2009 كانت الصادرات 25.1 مليار دولار، وفي يونيو 2013/2014 بلغت 26.1 مليار دولار، أي بزيادة قدرها مليار دولار فقط لا غير.

ارتفاع معدل التضخم

في حالة استمرار انخفاض قيمة الجنيه المصري، أو بقائها على ما هي عليه الآن، فإن الأمر سوف يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، كما ذكرنا عالية، بسبب ارتفاع قيمة الواردات، وبالتالي تعيش مصر ما يسمى بالتضخم المستورد، المرتبط بارتفاع قيمة الواردات.

وهو ما لمسناه على مدار السنوات الأربع الماضية، حيث تجاوز معدل التضخم على أساس سنوي حاجز 11.5 %، وفي بعض الشهور ارتفع هذا المعدل ليصل إلى 14 %.

وبلا شك أن ارتفاع معدل التضخم في ظل اتساع شريحة الفقر بالمجتمع المصري، وكذلك بقاء البطالة فوق سقف 13 % من القوى العاملة، سيزيد من تكلفة المعيشة لشريحة الفقراء، وكذلك الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة بمصر.

الاتجاه للدولرة

ثمة دافع نفسي، يجعل من لديهم مدخرات أو دخول بالدولار بمصر، أن يحتفظوا بها سواء في الجهاز المصرفي أو خارجه، بحيث يتم تعاملهم عليه فيما بعد بالسوق السوداء، في ضوء احتياجاتهم الحالية، وبخاصة أن معدل الفائدة بالبنوك، دون معدل التضخم السائد بالسوق.

وقد عرفت مصر منذ أجل طويل ظاهرة الدولرة، حتى أصبحت جزءاً من المكون الثقافي للمدخرين. والأشد سلبية في ظاهرة الدولرة، اتجاه جزء من المدخرين لتحويل مدخراتهم من الجنيه المصري للدولار، مما يخلق طلباً غير حقيقي على الدولار وارتفاع سعره بالسوق السوداء، وبالتالي تحقيق مزيد من الانخفاض في قيمة الجنيه المصري.

تحسن مشروط

يرى البعض أن ثمة مؤشرات تدل على وجود بوادر لتحسين قيمة الجنيه المصري تجاه الدولار، خلال المرحلة القادمة، بسبب ما أعلن خلال الأيام الماضية عن منحة كويتية لا ترد بمليار دولار، وكذلك المصالحة الخليجية، التي بمقتضاها يتوقع تحسن العلاقات المصرية القطرية. وكذلك إعلان الدول الخليجية لاستمرار برامجها لدعم الاقتصاد المصري.

وبتناول هذه الأسباب بالتحليل نجد أن المنحة الكويتية، غير مضمونة التكرار، وبالتالي فهي أمر عارض، لا يمكن التعويل عليه بشكل كبير، فقد تساعد على مساندة احتياطي النقد الأجنبي بنهاية نوفمبر الحالي ليس أكثر من ذلك. أما المصالحة الخليجية ودورها في إنهاء الخلاف القطري المصري، وبما يؤدي إلى تراجع قطر عن استلامها لوديعتها بنحو 2.5 مليار دولار، فهو أمر احتمالي كذلك، وإن كانت تصريحات محافظ البنك المركزي المتكررة منذ أكتوبر الماضي عن جاهزيته لسداد الوديعة القطرية دون تأثير على الاحتياطي، تجعلنا نستبعد أن تأخذ قطر مسار تأجيل استلام وديعتها.

وفيما يتعلق باستمرار الدعم الخليجي لمصر فهو محل نظر في ظل تراجع أسعار النفط في السوق العالمية بنحو 33 %، فمن المرجح أن تستمر المساعدات الخليجية خلال المرحلة المقبلة، ولكن بمعدلات أقل بكثير عما قُدم خلال العام المالي الماضي 2013/2014، وقد تكون الصورة الأبرز هي تقديم معونات نفطية بتسهيلات ائتمانية أطول، كما أعلنت من الإمارات خلال الشهور الماضية.

وفي حالة حدوث هذه العوامل مجتمعة، فإن التوقع المستقبلي لقيمة الجنيه المصري، أن يشهد استقراراً في مقابل العملات الأجنبية، أو ارتفاعاً طفيفاً غير مؤثر، وسيكون ذلك بمنزلة إجراء مؤقت، يسترجع بعده الجنيه مزيداً من الانخفاض في قيمته.

ولكن ستبقى العوامل المؤثرة في عودة التدفقات بالنقد الأجنبي من الموارد الذاتية، من خلال السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وكذلك إعادة هيكل الواردات المصرية، بحيث يعمق الاتجاه الداعي لتشجيع التصنيع والإنتاج المحلي.