نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا لمراسلها في
تركيا دانييل دومبي، تحدث فيه عن بغض الأتراك للأجانب، وخاصة الغربيين.
ويبدأ دومبي مقالته بالحديث عن البحارة الأميركيين الثلاثة، الذين تمت مهاجمتهم في اسطنبول، وتم تسجيل فيديو للحادثة، يبين فيه الأتراك القوميون يهاجمون البحارة، ويضعون الأكياس على رؤوسهم، ويهتفون "قتلة" و"اذهب إلى بيتك أيها اليانكي (الأميركي)"، ويعلق دومبي قائلا: إنه من المقرر أن يزور جون بايدن اسطنبول هذا الأسبوع، فعليه أن يكون مستعدا.
ويشير التقرير إلى أن 73 بالمئة من الأتراك ينظرون بسلبية للأميركيين، بحسب استطلاع (بيو غلوبال أتيتيود سيرفي)، وهذه النتيجة تبدو ثابته منذ أن احتلت أميركا العراق عام 2003.
ويرى الكاتب أن ما هو أغرب من ذلك هو نسبة كراهية الأتراك للأجانب الآخرين، فمثلا السعودية 53 بالمئة، والاتحاد الأوروبي 66 بالمئة، وكذلك الصين وروسيا وإيران فهي مكروهة بشكل أكبر، وحتى البرزايل التي لا يمكن اتهامها بأنها ظلمت تركيا تاريخيا بأي شكل من الأشكال صوت حوالي الثلثين ضدها.
وتجد الصحيفة أن هذا الارتياب له جذور عميقة في الضمير الوطني، فتركيا الحديثة نهضت، بالرغم من جهود منسقة من أكثر من دولة خارجية لتفكيك البلاد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
ويفيد التقرير بأن مصطفى كمال
أتاتورك، الذي كان المعتدون على البحارة الأميركيين يحملون صورته، هزم اليونانيين، وأخاف البريطانيين، وأقام دولة قومية في بلد كان مركزا لإمبراطورية متعددة الثقافات.
ويذهب دومبي إلى أن المثل الشعبي المتداول "التركي فقط هو صديق التركي" له دلالة كبيرة، وقد شجعت القيادة التي كان يدعمها العسكر مثل هذا الحذر من الأجانب، حيث أظهرت الأجانب والأقليات بأنه لا يمكن الوثوق بهم، كما ورد في كتب المدارس.
وتبين الصحيفة أنه منذ استلام الحكومة ذات الجذور الإسلامية حاولت تحسين العلاقات مع بقية العالم، خاصة مع الاتحاد الأوروبي، الذي تحاول تركيا دخوله، ولكن بدأ يطفو العداء للغرب والأجانب بشكل عام في الخطاب التركي بعد المظاهرات ضد الحكومة العام الماضي، والصراع الذي يدور في المنطقة، والذي جعل أنقرة تشعر بأنها معزولة.
ويذكر الكاتب بأن الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان اتهم "مركزا" دوليا بنشر الفوضى في تركيا ومصر وأوكرانيا، وقال في مقابلة تلفزيونية في أميركا إنه يملك وثائق تثبت ذلك.
وحديثا ندد بـ "لورنس العرب الجديد"، في إشارة إلى العميل البريطاني الذي شجع العرب على الثورة ضد الإمبراطورية العثمانية ، تحت غطاء صحافيين وإرهابيين ومبشرين، بحسب الصحيفة.
وقال أردوغان خلال كلمة له في عطلة نهاية الأسبوع إن المسلمين وصلوا إلى أميركا قبل كولومبوس بـ 300 سنة، وأضاف "أولئك الذين استعمروا أميركا من أجل الذهب، وأفريقيا من أجل الماس، يقومون اليوم بفعل نفس الشيء من أجل النفط في الشرق الأوسط، ويستخدمون نفس الأساليب القذرة".
وتوضح الصحيفة أنه مع هذا فإن الحكومة التركية سارعت إلى شجب الهجوم، الذي قام به شباب أتراك منتمون لاتحاد الشباب الأتراك، وهم علمانيون ومناوئون لأردوغان.
وتتابع بأن هؤلاء الشباب قاموا بفعل مشابه؛ انتقاما لحادثة حصلت عام 2003، حيث اعتقل الجيش الأميركي قوات خاصة تركية في شمال العراق، وألبسوهم أكياسا في رؤوسهم.
ويورد الكاتب قول المسؤولين الأتراك، بما يتعلق بالسياسة الرسمية الخارجية، إن لديهم تظلمات حقيقية ضد بعض الجيران، وحتى الحلفاء، بعضها يعود لعقود، ولم يتم نسيانها.
وتنوه الصحيفة إلى أن البرلمان الأوروبي شجب تركيا الأسبوع الماضي؛ بسبب إجراء مسح للغاز "غير قانوني ومستفز" لمنطقة قرب قبرص، الجزيرة المنقسمة التي غزتها تركيا عام 1974.
وتتحدث "فايننشال تايمز" أن بعضها أقرب زمنيا، فأردوغان يلوم الغرب لعدم شجبه الانقلاب الذي قام به السيسي العام الماضي ضد الحكومة الإسلامية المنتخبة في مصر.
وبعض التظلمات تغطي على كل شيء مثل قضية سوريا فشكوك أردوغان فيما يتعلق بالمدافعين الأكراد عن كوباني يعكس وجهة نظر الكثير من الأتراك.
ويختم دومبي مقاله بالإشارة إلى أن حنق الأتراك على أميركا زاد عندما أصبح الأكراد السوريون حلفاء لهم، ما يغري الشخص أن يظن أن سبب غضب تركيا على العالم هو عزلتها المتنامية، وهذا هو ما يدعو للقلق الحقيقي، وليس مهاجمة البحارة الثلاثة.