صعدت السلطات الأردنية مؤخرا من إجراءاتها الأمنية ضد الفكر الجهادي كجزء من الحرب ضد تنظيم الدولة فباتت تترصد وتراقب عن كثب كل متعاطف معه حتى عبر الإنترنت ومنابر المساجد.
ومنذ انضمام عمان لحلف دولي تقوده واشنطن يشن ضربات جوية ضد التنظيم في سوريا والعراق قبل نحو شهرين، أوقف عشرات الإسلاميين جلهم من التيار السلفي الجهادي بتهمة "استخدام شبكة الإنترنت للترويج لأفكار جماعة إرهابية (
داعش) في إشارة إلى تنظيم الدولة استنادا إلى تسميته القديمة "الدولة في العراق والشام".
ويقول محامي التنظيمات الإسلامية موسى العبداللات إن "عدد المعتقلين مؤخرا لدى الجهات الأمنية على خلفية التعاطف مع تنظيم الدولة بلغ 130 معتقلا أغلبهم من السلفيين".
وأوضح أن "بين هؤلاء 50 شخصا فقط أحيلوا إلى محكمة أمن الدولة بتهمة استخدام الشبكة المعلوماتية للترويج لأفكار جماعة إرهابية، (استنادا إلى قانون منع
الإرهاب)، فيما تعتقل المخابرات على خلفية التعاطف مع التنظيم 80 آخرين لم يحالوا بعد للقضاء".
وأشار إلى "منع بعض الإسلاميين من الخطابة في المساجد"، مضيفا أن "من يقف ضد الحلف الدولي الذي يحارب تنظيم الدولة تعتبره السلطات مؤيدا للتنظيم".
وقال أحمد عزت، الناطق باسم وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية "أوقفنا 25 خطيبا عن الخطابة في المساجد لمخالفتهم قانون الوعظ والإرشاد"، مضيفا أن "بعضهم حاول تسييس المنبر وبعضهم الآخر روج صراحة لأفكار متطرفة".
من جهته، أدان حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين وأبرز أحزاب المعارضة في الأردن في بيان هذا الإجراء الذي طال الأمين العام السابق للحزب حمزة منصور، واعتبر "منع أصوات الاعتدال من اعتلاء منابر الخطابة احد الأسباب التي ساهمت في إيجاد بيئة مناسبة للتطرف والتشدد والغلو".
وبحسب المسؤولين يقاتل نحو 1300 سلفي اردني في صفوف تنظيم الدولة في العراق، قتل منهم أكثر من 200، فيما يقدر عدد المنتمين للتيار السلفي الجهادي في الأردن بنحو أربعة آلاف.
وكان أغلب جهاديي المملكة أقرب إلى جبهة النصرة في سوريا التابعة لتنظيم القاعدة، وقد انضم إليها المئات منهم، إلا أن بعضهم تحول لتأييد تنظيم الدولة بعد ضربات الحلف الدولي.
ويؤكد مصدر أمني أن "الإسلاميين المتشددين تحت متابعة حثيثة من الأجهزة الأمنية، وبمجرد ورود معلومة حول تورط أي منهم بأي نشاط مخالف يتم التوثق منه واتخاذ اللازم".
وأشار إلى أن "الأجهزة المختلفة تتابع نشاطاتهم حتى إلكترونيا ويتم التوثق منها عبر جمع المعلومات وضبط الأجهزة المستخدمة".
ولدى مثول المتهم وسيم أبو عياش (36 عاما) مؤخرا أمام محكمة أمن الدولة بتهمة استخدام الشبكة المعلوماتية للترويج لأفكار جماعة إرهابية، نفى هذه التهمة.
وقال للقاضي "صفحتي على (فيسبوك) غير مفعلة منذ 27 شباط/ فبراير الماضي لم أقم بترويج أي من أفكار تنظيم الدولة لكني أعدت نشر مواضيع نشرت أصلا بمواقع الجزيرة والعربية" الإخبارية.
ويؤكد أبو عياش "لم أذكر ما يحرض على أمن البلد أو يسيء لجلالة الملك أو أي من أفكار "داعش" أو مبادئه ولم يكن لصفحتي أي دعوة لدعمهم".
أما عبد الرحمن (18 عاما) الموقوف بذات التهمة فقال للقاضي "أعمل بتجارة الموبايلات وخلال عملي تعرفت على أشخاص أضافوني إلى مجموعات كثيرة (على موقع فيسبوك)، بينها مجموعات تتناقل أخبار (داعش) وكنت أنسحب منها جميعها".
من جانبه، أكد العبداللات أن "الاعتقالات الأخيرة لا تنطوي على متهمين حقيقيين فهم لا ينتمون لتنظيم الدولة ولا صلة لهم به إنما عبروا عن آرائهم عبر الإنترنت".
وأضاف أن "هناك تصعيدا سياسيا وأمنيا واضحا وخطيرا ضد الجهاديين وخير دليل اعتقال أبو محمد المقدسي".
وأوقفت السلطات المقدسي مجددا قبل نحو أسبوعين، وهو منظر تيار السلفية الجهادية في الأردن، ما اعتبره العبداللات "تصعيدا خطيرا ضد التيار".
والمقدسي هو المرشد الروحي السابق للأردني أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي قتل في غارة أميركية في العراق عام 2006.
ووجهت له تهمة استخدام شبكة الإنترنت للترويج لأفكار جماعة إرهابية بعد نشره لبيان حض فيه جبهة النصرة وتنظيم الدولة على نبذ خلافاتهما والتوحد لمواجهة الحلف الدولي و"الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين في سوريا والعراق".
وكانت السلطات أفرجت عنه في حزيران/ يونيو الماضي بعد إنهاء فترة محكوميته بالسجن عقب إدانته عام 2011 بتجنيد عناصر للقتال إلى جانب حركة طالبان في أفغانستان.
ويقول وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني إن "الحرب على الإرهاب عملية مستمرة على ثلاث جبهات: الأولى هي المواجهة العسكرية المباشرة، والثانية هي الجهود الأمنية المستمرة لمتابعة التنظيمات الإرهابية والحد من قدراتها وتطبيق القانون عليها وملاحقة عناصرها، والجبهة الثالثة هي الجبهة الفكرية التنويرية التوعوية".
وأوضح أن "الجبهة الأخيرة تستهدف القضاء على الفكر التكفيري المنتج للإرهاب والذي يشكل بيئة حاضنة له، من خلال التوعية المجتمعية والفكرية الشاملة بالمدارس والجامعات والمساجد والمنابر الثقافية ومراكز الأبحاث".
ومنذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 شهدت علاقة الدولة بالجهاديين في المملكة شدا وجذبا ودخلت في مواجهة معهم بعد حرب العراق عام 2003، نجم عنها تفجير ثلاثة فنادق في عمان عام 2005 أوقعت عشرات القتلى والجرحى.
ويرى حسن أبو هنية، الكاتب والمحلل السياسي الخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية، أن "العلاقة مع الجهاديين تدار أمنيا، وأصبحت أكثر توترا مع مشاركة المملكة في المعركة ضد تنظيم الدولة".
وأضاف أن "الأردن يخوض حربا ضد الفكر الجهادي وعدل قانون منع الإرهاب الصادر عام 2006 قبل أشهر قليلة لتجريم أي ترويج للتنظيمات الجهادية عبر شبكة الإنترنت لأن هناك وعيا بأنها غدت المصدر الأول للتعبئة والتجنيد".