"لم تعد الكلمات تجد طريقا إلى فمي، فلم أتوقع في يوم من الأيام أن أعيش قصة مماثلة.. أن أرقب أبا يختار أحد أطفاله للنجاة به في عرض البحر بعدما بدأ القارب بالغرق، لأنه لا يستطيع السباحة إلا بطفل واحد".. هكذا وصف حسن تجربته في رحلة
هجرة غير شرعية كتب له النجاة منها وإن لم يكتب للرحلة النجاح.
حسن واحد من آلاف الشباب السوري الذيين يفكرون بالهجرة إلى أوروبا أملا بحياة أفضل. فبعد أن ساء وضع عمله كمندوب مبيعات في دمشق وريفها مع تغير خارطة سيطرة النظام على دمشق وسقوط عدة بلدات بيد الثوار، قرر خوض تجربة الهجرة خوفا على عائلته ورغبة منه في تأمين حياة جيدة لأطفاله بمنأى عن ويلات الحرب الدائرة في البلاد.
يقول حسن: "بعد شهور من الدراسة والتفكير في الأمر قررت الهجرة، ولذا فقد بعت سيارتي وجمعت كل ما ادخرت من نقود في أوقات سابقة لأبدأ رحلة الهجرة الطويلة المقسمة إلى عدة مراحل، فأنا لا أملك الكثير من النقود لأهاجر بطريق آمنة وقصيرة كما يهاجر بعض الأغنياء".
يوضح حسن أنه بدأ رحلته بخروجه إلى لبنان ومن ثم إلى الجزائر حيث بدأت رحلة المعاناة الحقيقية. فتونس هي الوجهة التالية، ولا سبيل إلا بالعبور إليها بشكل غير قانوني. وقال: "كنا مجموعة من السوريين (عددنا) حوالي 50 شخصا بين رجال وعائلاتهم من النساء والأطفال؛ قد تعرفنا على شخص مهمته نقلنا من الجزائر إلى تونس مقابل مبلغ كبير نسبيا، ولكن لا حل بديلا فالطريق يحتاج الى 12 ساعة تقريبا بطرق صعبة فيها الكثير من المشقة والخطر وخاصة عند الحدود".
وتابع: "بعد دخولنا تونس قادنا شخص آخر بنفس الطريقة إلى الأراضي الليبية حيث ستبدأ رحلتنا البحرية من شواطئها. وبالرغم من زعم صاحب المركب المقرر السفر به أنه يتسع لخمسين راكبا، فإنه لم يكن مريحا بما فيه الكفاية، لكن الرحلة بدأت في ذلك القارب القديم، وكانت وجوهنا واجمة تحمل تعابير الخوف بشكل ظاهر وسط أجواء مشحونة بالتوتر في ظل من الصمت المطبق".
يقول حسن: "بعد ست ساعات من بداية الرحلة بدانا نشعر بتغير سير القارب الذي بدأت نهايته بالغوص بشكل يزيد عن الحد اللازم، وارتبك القائد الذي بدأ يبحث عن سبب المشكلة ما أدى إلى حالة من الفوضى"، موضحا أن السبب كان عطلا فنيا في محرك القارب ولا سبيل لإصلاحه بعد بدأ القارب فعلا بالغرق.
يتابع: "وهنا بدأت المأساة وبدأ الجميع بالصراخ، فالنساء تبكي والأطفال تستغيث، ولا سبيل للنجاة في وسط البحر. وتعجز الكلمات عن وصف الموقف ووصف مشاعر، حيث اضطر أب للاختيار بين أطفاله لأنه لا يستطيع السباحة إلا بطفل واحد".
ولحسن الحظ فقد كان لتواجد شاب جزائري لديه بعض الخبرة في القوارب الفضل الكثير في نجاة الركاب بحسب ما بين حسن، حيث أن الشاب نهض وتوجه إلى مؤخرة القارب وطلب من الجميع مساعدته، فهناك احتمال نجاة وإن كان ضئيلا. وفعلا بدأ جميع الرجال بإخراج الماء من القارب ورميه في البحر وعمل الشاب الجزائري على تأخير غرق القارب، وهنا بدأت رحلة العودة إلى أقرب شاطئ، وإن كان احتمال نجاة القارب حسب كلام الشاب الجزائري 5 في المئة، ولكنها لا تزال موجودة.
يضيف: "عند اقترابنا من الشواطئ التونسية ساعدنا خفر السواحل التونسي ونجا الجميع والحمد لله بأعجوبة، وبفضل ذلك الشاب الجزائري الذي بقي هادئا حتى النهاية، واستطاع قيادة الجميع في طريق العودة. احتجزتنا الشرطة التونسية وألقت القبض على المهرب صاحب القارب بعد محاولته الهرب".
أما بالنسبة للمهاجرين، فقد أوضح أن الشرطة التونسية تقاضت مبلغ 600 دولار مقابل كل تذكرة طيران الى تركيا، مبينا: "أنا الآن في تركيا وقد خسرت كل ما أملك ولا يمكنني العودة الى
سورية لأبقى مع عائلتي بعد ختم جواز سفري عدة أختام تدل على قيامي برحلة غير شرعية".