كتاب عربي 21

المنعطف الخطير في مسار القتال الدائر في بنغازي

1300x600
وفاة سبعة مدنين بسقوط قذيفة على خيمة عزاء اليومين الماضيين تكشف عن خطر تطورات ما بعد 15 اكتوبر، والتي دفعت بالحالة الليبية إلى طور جديد من التصعيد يقطع السبيل على أي مسعىً للتقريب والوصول لتسوية بين الأطراف المتنازعة وربما ينسف مبادرات الحوار التي تشرف عليها أطراف دولية وإقليمية.

فالمجابهات بين الكرامة ومجلس شورى ثوار بنغازي والتي أخذت طابعا عسكريا، بمعنى وضوح ساحة المجابهات وانحسارها في الأطراف المعنية وهي قوات حفتر والثوار وأنصار الشريعة، انتقلت من هذا الوضع العسكري إلى اقتتال وجرائم قتل في الأحياء بعد الدعوة للانتفاض في التاريخ المشار إليه سابقا، وهنا يكمن الخطر الجديد. 

من ناحية أخرى، انتقلت اتجاهات ومواقف أطراف الصراع إلى درجة من التميز والتدافع أحالها من خلافات بين من يمكن اعتبارهم شركاء في الثورة إلى طرف يناصر الثورة ويجتمع تحت لوائه كل من يؤيدها بقوة، وبين جناح مختلط تناصره أطراف عدة من بينهم مؤيدوا 17 فبراير وأيضا بعض رجال النظام السابق، ولقد تكرر على لسان رموز بارزة من النظام السابق من بينهم أحمد قذاف الدم ومصطفى الزايدي وموسى إبراهيم مباركة عملية الكرامة واعتبارها استكمال لحرب القذافي ضد من أسموهم إرهابيين.

ولأن درجة التدافع والاستقطاب وصلت إلى مستوىً حرج، فقد صار مقبولا لدى طرفي النزاع، مع إصرار أكبر عند الطرف الداعم لعملية الكرامة، التحالف حتى مع "الشيطان" كما تكرر على لسان برلماني مؤيد للكرامة ومعارض لعملية فجر ليبيا وعملية "أدخلوا عليهم الباب".

النخبة السياسية والعسكرية الداعمة لعملية الكرامة، والتي هدفت من حملتها إلى مواجهة الإرهاب وبعث الاستقرار، وعجزها عن هزيمة خصمها في الجبهة تورطت في تحريض من يناصرهم من مدنيين فيها ضد من يدعم الطرف الثاني، لم تدن أو تدع لوقف ما وقع من اقتحام للبيوت وحالات قتل داخلها وأمام ناظري الأقارب من أمهات وزوجات وأخوات وأطفال، وتعرض من حاول الدفاع عنهم للسحل في الشارع، هذا بالإضافة لهدم بيوت المقاتلين من مجلس شورى الثوار، حيث سجلت بعض المنظمات الحقوقية أن عدد البيوت التي تم هدمها بلغ نحو 13 بيتا، معظمها بيوت أهل المعارضين للكرامة الذين تصدوا لقوات حفتر في بنغازي، وهي أعمال قامت بها عناصر قوات عملية الكرامة التي تم ضمها لرئاسة الأركان بقرار من البرلمان، وأيضا بمساعدة من يطلق عليهم "الصحوات"، لتكون ردود فعل الأطراف التي تعرضت لهذه الأعمال شئ مشابه، وهو ما حدث لبعض أفراد الصحوات في أحياء بوهديمة والماجوري والصابري، حيث تم قتل بعض من شاركوا في الجرائم المشار إليها في بيوتهم، وفي بيان مجلس شورى الثوار الأخير ما يشير إلى اللجوء إلى نفس نهج عملية الكرامة، ما يعني سلسلة من حلقات الانتقام داخل الأحياء. 

والنتيجة أن معركة الكرامة التي وعد رائدها بالقضاء على من أسماهم الإرهابيين دون تمييز من خلال عملية عسكرية مباشرة انتقلت إلى حرب أحياء لا كرامة ولا أخلاق فيها، بل تستباح فيها حرمات البيوت، ويتم سحل الخصوم أمام ذويهم وتسقط فيها أي معايير تضبط القتل والقتال.

هذا المشهد المخيف، والذي انتقل بالصراع إلى مستوىً خطير لا يجاوزه إلا عمليات تطهير جماعي يبدو أن العمليات الراهنة تدفع باتجاهها، ولن يُعدم مسعرو الحرب المبررات للإقدام على هكذا أعمال وحشية، فمستوى الاحتقان والكراهية أصبح اليوم عاليا جدا، وكلا طرفا النزاع من مقاتلين وأنصار مهيؤون لقبول المبررات وربما قبول ما يترتب عليها من جرائم، ويغيب في الاثناء صوت العقل، والتضامن الاجتماعي لمنع تقطيع أوصال المجتمع من خلال إشعال النيران داخل الحي الواحد، بل ربما داخل البيت الواحد.