شهران مرا على إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل برعاية
مصرية، دون أن تبدأ أولى خطوات عملية إعمار قطاع
غزة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد الوضع الميداني، حسبما يرى مراقبون فلسطينيون.
واتفق محللون، في أحاديث منفصلة، أن "
المقاومة" بغزة، وفي حال استمر تأخر إعمار القطاع، ولم يتم رفع الحصار الإسرائيلي الخانق كما تنص اتفاقية الهدنة، فإنها ستقوم بتوجيه رسائلها الأمنية تجاه إسرائيل، وستعمل على تحريك المياه الراكدة.
ولا يشعر سكان قطاع غزة (1.9 مليون نسمة)، بعد شهرين من اتفاق الهدنة سوى بالإحباط، فالمعاناة الإنسانية تتفاقم، وتزداد يوما بعد آخر، في وقت تصل فيه نسبة الفقر إلى 90%، والبطالة إلى 65% وفق إحصائيات فلسطينية بفعل تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير، وما خلّفته من آثار على مدار 51 يوما، بالتزامن مع استمرار الحصار، وعدم فتح المعابر.
ولأنّ "المقاومة" هي من كانت كلمة السر في إنجاز اتفاق الهدنة وشروطها، فهي صاحبة الكلمة في رسم المشهد القادم، كما يرى تيسير محيسن، الكاتب الفلسطيني.
ولا يستبعد محيسن، أن "تقوم بعض فصائل المقاومة بإرسال رسائل إلى إسرائيل والمجتمع الدولي، بأنه لا يمكن السكوت على تأخر الإعمار".
وأضاف: "فصائل المقاومة هي المرجعية الرئيسية، وهي من تتحمل العبء الكبير أمام المشردين، ومن أجل ذلك فهي على استعداد أن تعود إلى تحريك الأجواء الأمنية والعسكرية، في حال بقاء الوضع على ما هو عليه".
ويرى محيسن، أن "فصائل المقاومة بغزة ستسعى إلى تحريك الأمور عبر تصعيد مدروس، يُراد له أن يكون رسالة للإسرائيليين ولكافة الأطراف العربية والدولية بضرورة البدء في الإعمار، وبشكل فوري لا يقبل التأجيل".
وفي الرابع عشر من شهر تشرين أول/ أكتوبر الجاري، سمحت إسرائيل بدخول دفعة أولى (نحو 75 شاحنة) من مواد البناء إلى قطاع غزة، عبر معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري الوحيد لقطاع غزة بعد حظر دام سبع سنوات، وفقاً لاتفاق ثلاثي بين إسرائيل والسلطة والأمم المتحدة، الخاص بتوريد مواد البناء، لإعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وبعد دخول الدفعة الأولى لم يتم إدخال أية دفعات أخرى، بحسب تأكيد مسؤولين فلسطينيين، فيما ظل معبر كرم أبو سالم يعمل بالحجم الاستيعابي الذي كان يعمل به وقت الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ويُفتح لإدخال البضائع الغذائية والإغاثات فقط.
ومن الوارد جدا، وفي حال استمر الحصار الإسرائيلي الخانق، ولم يبدأ الإعمار بشكل حقيقي وفعلي أن تبادر فصائل المقاومة بغزة إلى خلق حالة من الفوضى والتصعيد الأمني، هدفه التشويش على حالة الهدوء الميداني، كما يقول طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة "الأيام" الفلسطينية الصادرة من مدينة رام الله بالضفة الغربية.
ويرى عوكل أنّ "الفصائل الفلسطينية وعلى لسان قادتها السياسيين بدأت في التلويح بورقة المقاومة، والتصعيد".
وأضاف: "أمام هذه الحالة البائسة، وتأخر إعمار قطاع غزة، فمن الطبيعي أن تلوح الفصائل بما لديها من أوراق ضغط، وهذه الأوراق تتمثل في إحداث تشويش، وتصعيد عسكري قد يتمثل بإطلاق عدد من القذائف، دون أن يعلن أي فصيل أو يتبنى الإطلاق، المهم أن تقوم بإرسال رسائل مفادها أن على العالم أن يتحرك نحو
إعمار غزة، وإلا فالوضع قابل ليس للتصعيد وحسب، بل للانفجار".
وكان خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، قال إن "أمن إسرائيل أول من سيدفع ثمن تأخر إعمار قطاع غزة".
وأضاف الحية، خلال لقاء تلفزيوني على قناة "الأقصى"، التابعة لـ"حماس"، مؤخرا، أن "صبر الناس في غزة بدأ ينفد ولا مجال للاحتمال أكثر، ونحن بدأنا نشكك في جدية إعمار غزة".
واتهم الجيش الإسرائيلي حركة حماس مؤخرا، بإطلاق صواريخ تجريبية قبالة سواحل غزة، وهو الأمر الذي لم تؤكده أو تنفه الحركة.
وفي بيانٍ أصدرته مؤخرا، حذّرت حركة حماس مما أسمته "نفاد صبر غزة" في حال استمر الحصار الإسرائيلي على القطاع.
وقالت الحركة، على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري: "على المجتمع الدولي أن يتدخل لإلزام إسرائيل برفع الحصار، وبدء الإعمار قبل نفاد صبر غزة"، دون أن يوضح مقصده بشكل صريح.
وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة، الذي عقد في القاهرة في الثاني عشر من شهر تشرين أول/ أكتوبر الجاري، قد جمع مبلغ 5.4 مليار دولار نصفها خصص لإعمار غزة، فيما خصص الجزء المتبقي لتلبية احتياجات الفلسطينيين.
ودمّرت الحرب الإسرائيلية الأخيرة نحو 9 آلاف منزل بشكل كامل، و8 آلاف منزل بشكل جزئي، وفق إحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
ولأن الفلسطينيين في قطاع غزة، يعيشون حالة من الإحباط، غير المسبوقة، فإن الأمور قد تذهب في أي لحظة نحو التصعيد والتدهور الأمني، واندلاع جولة من العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة ناجي شراب.
ويتفق شراب مع الرأيين السابقين، في أن "تأخر إعمار غزة، وتباطؤ الجهود في رفع الحصار وفتح المعابر، يشكل دافعا كبيرا أمام الفصائل لتحريك المياه الراكدة".
وتابع: "قد نتفق جميعا على أن إسرائيل والمقاومة بغزة، وتحديدا حركة حماس لا تريدان الذهاب نحو حرب جديدة، لكن ما هو مؤكد أن لغة التحذير التي بدأت تستخدمها فصائل المقاومة مؤخرا ستتحول إلى رد فعل حقيقي يُعجل برفع الحصار، والبدء بإعمار ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة من دمار شامل وواسع طال كافة مناحي الحياة".
واستدرك بالقول: "البطالة ترتفع، والفقر يزداد، وآلاف المشردين يبحثون عن مأوى، والمعابر مغلقة، هذا المشهد القاسي قد يدفع الأمور نحو كافة الاحتمالات وفي مقدمتها عودة المواجهة العسكرية والأمنية بين فصائل المقاومة وإسرائيل".
ومنذ أن فازت حركة "حماس"، التي تعتبرها إسرائيل "منظمة إرهابية"، بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير 2006، تفرض إسرائيل حصارا بريا وبحريا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في حزيران/ يونيو من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي "حماس" عن الحكم.