من الجلي أن قيادة
البرلمان الملتئم في طبرق تعول على خيارين رئيسين في مواجهتها التحرك العسكري الذي يكاد يفرض سيطرته على مساحة واسعة من المنطقة الغربية، ويقترب من معاقل قوات اللواء حفتر في منطقة الرجمة، هذان الخياران هما تعزيز القدرات العسكرية للقوات التابعة للبرلمان، خاصة التفوق الجوي والذي تراجع بعد أن سقطت ثلاث طائرات من بين خمس يمتلكها جيش حفتر.
أما الخيار الثاني هو سياسي، وذلك من خلال توظيف شرعية البرلمان، كونه الجسم المنتخب، لعزل عملية فجر
ليبيا دوليا.
وبالنظر إلى الخيارين فإن المقاربة تحقق للبرلمان بعض ما ينشده من أهداف، فهناك دول مثل مصر والإمارات مستعدة لتقديم كافة الدعم العسكري واللوجستي، ولقد ظهر من الاتفاقية الأمنية التي تم توقيعها مع مصر أن الحواجز القانونية التي تحول دون الاستعانة بقوات مصرية في السجال الليبي باتت في حكم المنعدمة.
أيضا يبدو أن التوجه الإماراتي للتدخل في شؤون دول الربيع العربي لا حدود له ولا قيود عليه، وبالتالي فيمكن للبرلمان الذي حل رئيسه ورئيس حكومته ورئيس أركانه ضيوفا على إمارة أبوظبي أن يستفيد من هذا الجموح، وقد تحدثت مصادر ليبية وعربية عن موافقة أبوظبي على منح الحكومة التابعة للبرلمان ست طائرات ميراج، هي من ضمن سرب عرضته الإمارات عام 2008 على نظام القذافي حيث سعت الأولى إلى تحديث أسطولها بالحصول على نسخة متقدمة من الطائرة الفرنسية المقاتلة، ولكن القذافي تراجع عن الصفقة.
أيضا يظهر من خلال تصريحات الست الكبار وكافة المنظمات الدولية والإقليمية بأن الشرعية هي للبرلمان المنتخب، وأن أي تغيير في البلاد ينبغي أن لا يقفز على هذه المسلمة.
إذا هو رهان – في الظاهر – رابح، لكنه برؤية شاملة وتحليل معمق لن يكون كذلك، لأنه أولا هو يُبعد عن ناظري قادة البرلمان والحكومة الحاجة إلى مقاربة توافقية تحافظ على اللحمة وتداوي الجراح بعيدا عن سيناريوهات التصعيد ومخاطره وفي مقدمتها التقسيم.
فالبرلمان لا يكتسب شرعيته فقط كونه الجسم المنتخب، فقد كان المؤتمر الوطني كذلك وبأصوات بلغت ضعفي من صوتوا للبرلمان، ولكنه واجه المصاعب بسبب انحرافه عن المزاج العام وإخفاقه في أن يعبر عن تطلعات كافة الليبيين، وبالتالي أصبح فاقدا للشرعية في نظر الكثير منهم وفي مقدمتهم من يتصدر المشهد في البرلمان اليوم.
أيضا فإن مقاربة فرض الشرعية بالقوة لا يكفي فيها أن يكون البرلمان هو الممثل الشرعي لليبيين، فهذا مسار جربه المؤتمر الوطني وتبين خطأه خصوصا في مسألة التمديد الذي أُقر بأغلبية دستورية، فالحكمة التي تتطلبها معالجة الأزمات الحادة قد تقتضي ليس التعلق بحبل الشرعية مع أهميته، لكنه يحتاج إلى رؤية توافقية تتفهم الواقع بتعقيداته وتبدي مرونة لا تكون على حساب تعريض الخيار الديمقراطي والمسار الانتقالي إلى الإخفاق كما هو حادث الآن.
أيضا فإن التعويل على خيار القوة مهما توفرت مقوماته لن يوصل البرلمان إلى ما يصبو إليه من عودة شرعيته لتعم ربوع البلاد، لأن نتائج المواجهات تشير إلى استحالة السيطرة على كافة البلاد أو حتى أهم مدنها، ولن يتغير الوضع بشكل جذري مهما كان حجم الإمدادات العسكرية وستكون نتيجة هذا الخيار حرب واسعة وطويلة يضيع معها كل شيء وليس فقط شرعية البرلمان.
أما الرهان على الخارج، فإن التركيز على دول بعينها لجلب الدعم العسكري سيبرر تدخل أطراف أخرى إقليمية لدعم الطرف الآخر، ولن يكون هناك منطقا ولا قانونا يمنع خاصة بعد أن انحاز البرلمان إلى أحد طرفي الصراع، فكما تحصل البرلمان على الطائرات، لا يستبعد أن تتحصل فجر ليبيا على مضادات جوية متطورة، أو دعما جويا مكافأً، وهكذا دواليك.
من ناحية أخرى، فقد ثبت أن الغرب يدعم نظريا الشرعية وما تأتي به نتائج الانتخابات، لكنه يعود ليتعامل مع القوى على الأرض، والنموذج المصري حي وحاضر، لذا يمكن أن يميل التأييد الغربي لطرف على حساب الآخر في حال كان أقدر على فرض إرادته والسيطرة على الأرض. وهنا تكمن خطورة الرهان بالكامل على الخارج، والأخطر منه هو قفل باب الحوار والتفاوض، والاتجاه إلى التصعيد دون حساب دقيق لعواقبه.