أحيا الليبيون يوم أمس الثلاثاء ذكرى استشهاد شيخ الشهداء
عمر المختار (1862 – 1931)الذي قامت سلطات الاحتلال الإيطالي بإعدامه شنقاً في قرية سلوق (20 كيلومترا غربي بنغازي)، في صبيحة يوم 16 أيلول/ سبتمبر 1931 م، على مرأى ومسمع من آلاف الأسر المعتقلة في سياجات شائكة أقامها الإيطاليون لحبس الأسر المهجرة من نجوعها وقراها لقطع المدد عن المجاهدين.
وأحيا نشطاء عرب، ذكرى استشهاد القائد الليبي عمر المختار، عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر".
وعلق النشطاء على ذكرى استشهاد القائد الليبي، حيث قال خليفة البشباش: "عمر المختار قائد عظيم عسكريا واجتماعيا، والمقاومة ضد الطليان شرف ناله قليلون، لكن المقاومة ضد الطليان أيضا لم تكن صفحة بيضاء كما يعتقد الكثيرون".
وقالت صفحة "الثورة للجدعان": "رحم الله المجاهد عمر المختار الذي استشهد في 16- 9، قبل 83 عاما ومازالت كلماته عنوانا للأحرار".
ولد عمر المختار "أسد الصحراء" و"شيخ الشهداء"، في جنزور إحدى المدن الليبية في 20 آب/ أغسطس 1862، وهو ينتمي لإحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة.
وفي 11 أيلول/ سبتمبر 1931، بينما كان المختار، يستطلع منطقة "سلنطة" في كوكبة من فرسانه، أرسل الإيطاليون قوات لحصاره والإيقاع به، ورجحت الكفة للعدو فأمر المختار بفك الطوق والتفرق، وقُتلت فرسه وسقط، ولم يتمكن من تخليص نفسه أو تناول بندقيته، وسرعان ما تمت محاصرته وحملوه إلى بنغازي، وأودع السجن الكبير في "سيدي أخريبيش".
وفوجئ "
غراتسياني" بالخبر أثناء استجمامه في باريس؛ فعاد إلى
ليبيا من فوره في 14 أيلول/ سبتمبر، وطلب إحضار المختار إلى مكتبه، ودار بينهما حوار سُجلت كلمات عمر المختار التي نطق بها ردّا على المحتل الإيطالي بأحرف من نور في تاريخ العرب المسلمين الناصع، حيث قال: "نحن لا ننهزم، ننتصر أو نموت".. تماما كما سجلت صولاته وجولاته في مقارعة
المستعمر على الصفحات المضيئة نفسها من تاريخنا المشرف.
وأعلن قائد الحملة الإيطالية عن انعقاد "المحكمة الخاصة"- الصورية- في 16 أيلول/ سبتمبر 1931، وصدر الحكم بالإعدام شنقًا.
وأصبح المختار عند العرب عمومًا والمسلمين منهم خصوصًا شهيدًا بطلًا، ومثال القائد الصالح صاحب العقيدة السليمة السويَّة، الذي بذل نفسه وماله للدفاع عن دينه وبلده ضدّ عدو عنصري لا يعرف الشفقة. كانت إحدى جملاته الأخيرة: "نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.. وهذه ليست النهاية.. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه.. أمَّا أنا، فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي".
وقد خرجت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية تنديداً بالإعدام في مختلف الدول العربية، مثل تونس ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا. وقد أقيمت المآتم له في مختلف أنحاء بلاد الشام، وصلِّيت عليه صلاة الغائب في جامع بني أمية الكبير بدمشق، ودعي على المنابر إلى مقاطعة إيطاليا وكافَّة بضائعها وأغلقت المحالّ حداداً عليه.
وفي غزة، أطلقت البلدية على أحد أهمّ شوارع المنطقة اسم "شارع عمر المختار"، ما أثار غضب وسخط القنصل الإيطالي، وبعث عليه رسالةً احتجاجية إلى البلدية، إلا أن رئيس البلدية رفض الاستجابة إلى مطلب القنصل. وأقيمت صلاة الغائب على روح عمر المختار في تونس هي الأخرى، وفي مصر كانت ردة الفعل شعبية عارمة تجلَّت في الصحف والجمعيات والطلاب والشعراء، وأقام له حمد الباسل باشا حفل تأبينٍ عظيم منعته الحكومة لأسباب سياسية، ولكن أعدّت له خطب وكلمات كثيرة، وأعد له أحمد شوقي وخليل مطران قصائد شعرية خاصة في رثائه.
وعلى الرغم من أن إتيليو تروتسي - حاكم برقة الإيطالية بين عامي 1927 و1929 - كان العدوَّ الأول لعمر المختار طوال سنين حكمه في برقة، إلا أنه وصفه في مذكراته المنشورة بعنوان "برقة الخضراء" بأنه "الرجل الذي لا يسعنا إلا أن نعترف له بالصّمود وبقوَّة الإرادة الخارقة حقاً".
وكتبت عنه صحيفة التايمز البريطانية في اليوم التالي لإعدامه مقالاً، وصفته فيه بـ"الرجل الرهيب" و"شيخ القبيلة الضاري العنيف الذي بقي لسنواتٍ طويلةٍ يمثّل روح المقاومة العربية".
وأصبح المختار أحد أهم وأشهر أعلام ليبيا، إن لم يكن أشهرهم، طيلة العقود التي تلت إعدامه، وحصد حب واحترام وتقدير الليبيين من جميع الأجيال، وقد ظهر ذلك بالأخص يوم الخميس 16 أيلول/ سبتمبر سنة 2010، الذي صادف الذكرى التاسعة والسبعين لإعدامه، إذ توقفت الحركة كليًّا في كافة أنحاء ليبيا في منتصف اليوم، ولمدة خمس دقائق، حدادًا. وكانت اللجنة الشعبيَّة العامَّة الليبيَّة أصدرت قرارًا بشأن اعتبار السادس عشر من سبتمبر الذي يحيي فيه الشعب الليبي الذكرى التاسعة والسبعين لإعدام المختار يومًا للحداد الرسمي في ليبيا.
وخلّد ذكرى عمر المختار شوقي وحافظ ومطران وغيرهم في أشعارهم، وجسد شخصيته أنطوني كوين في فيلم عالمي، وأطلقت معظم عواصم العالم اسمه على عدد من ميادينها وشوارعها، حتى إيطاليا نفسها التي قامت بشنقه عادت واعتذرت عن فعلتها.