بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام ونصف، بدأت تظهر الآثار السلبية لاستغراق شباب
الثورة السورية في تصفح موقع التواصل الاجتماعي "
فيسبوك"، حيث أصبحت غزارة الكلام النظري غير متوازية مع الفعل الحقيقي على الأرض، وكان لكثير من الناشطين آراء مختلفة بهذا الخصوص.
وقال الدكتور محمد الشواف المتخصص في المجال الإعلامي في حديث خاص إن "للفيسبوك تأثيرات سلبية متعددة لمسنا بعضاً منها في الواقع الثوري السوري"، مشيرا إلى أن
النظام السوري الذي سمح للسوريين باستخدام هذا الموقع بعد أن كان محظوراً في بداية الثورة كان الهدف منه "استخدام الموقع بطريقة استخباراتية وإعلامية بارعة لتمرير الرسائل الموجهة للثوار تارة ولمؤيديه تارة".
وبحسب الشواف "استعمل النظام الفيسبوك أيضا كإحدى وسائل الحرب النفسية، وبث الإشاعات والفتنة بين الفصائل العسكرية المقاتلة، بل استطاع أن يجعله وسيلة لنشر الفتن حتى بين المواطنين السوريين العاديين غير المسيّسين".
ويضيف الشواف: "من أهم التأثيرات رواج سوق النصب والاحتيال دون أية تكلفة تذكر، إذ افتتحت مئات الصفحات بعناوين رنانة، وبدأت بحجة إغاثة الشعب السوري تروج لنفسها وتجمع المساعدات الإغاثية والإنسانية، ليحمل أصحابها في النهاية ما تم جمعه على حساب الدم السوري ومن ثم يختفون".
ونوه إلى أن الكثيرين يعتقدون أن الشبان الذين ألقى النظام القبض عليهم تعرضوا لمحاولات تضليل وإفساد حتى استطاع النظام أن ينجح باعتقالهم، خاصة عندما جند النظام بعض الفتيات على موقع فيسبوك لمراسلة الشبان بحجة التعارف وقاموا بمواعدتهم ليتفاجأ الشاب بوجود دورية أمن تابعة للنظام تنتظره بدل أن يجد الفتاة.
الناشطة السورية شيماء البوطي، أكدت أن للفيسبوك سلبيات متعددة أهمها أن كثيرين من الشباب توجهوا لاستعراض بطولاتهم على صفحات موقع التواصل فيسبوك وبدأوا يبالغون في ذلك، في حين أنهم من الممكن أن يكونوا أبطالاً حقيقيين في الواقع بدل هذا الاستعراض المبتذل في هذه المساحة الافتراضية التي تسمى فيسبوك.
وتقول شيماء: "لقد أصبح معظم من كانوا ثواراً بارعين في التنظير والجلوس أمام الشاشة لساعات طويلة دون أن يترجموا ما يقولونه على أرض الواقع ولو بنسب بسيطة، ليستمر تضييع الوقت والبلاد معاً، كما أن موضوع عرض الصور على الصفحات التي تم تأسيسها كان إحدى المشاكل".
وأوضحت أن "ذلك كان من خلال النشر غير المدروس لهذه الصور دون معرفة تأثيراتها، وامتلأ موقع فيسبوك بالصور العنيفة والدموية التي أحسن النظام استغلالها واستخدامها ضد الثورة وثوارها، كما أنه استخدم الكثير منها في التضليل الإعلامي ونشر الشائعات".
ولم يكن رأي عضو اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار الأديب والشاعر أنس الجمال مخالفاً، حيث قال: "لقد أصبح الفيسبوك أداة مخيفة لها تأثير خطير جداً على مسار الثورة السورية، وذلك من خلال سرعة انتشار الأخبار والشائعات الكاذبة، والتي أصبح الترويج لها يحتاج فقط عدداً كبيراً من المعجبين بأية صفحة ترغب بترويج فكرة ما، حتى أن الكثيرين فقدوا إيمانهم بالحرية أو بالنصر بعد أن أنهكوا نفسياً مما يشاهدونه كل يوم على صفحات الفيسبوك".
ويضيف الجمال "في الحقيقة لقد شوش الفيسبوك على بوصلة السوريين التي كانت متجهة للنصر، ليوجهها إلى أمور أقل قيمة وأدنى مرتبة في الأهمية، بل وجعل كل متردية ونطيحة تدلي بدلوها في مصائر الناس".
ويعد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، من أهم المساحات الافتراضية التي اعتمد عليها السوريون في إيصال قضيتهم إلى العالم، كما استخدموها للتواصل والتنسيق فيما بينهم، هذا التنسيق تجلى بشكل واضح مع انطلاقة الثورة السورية وعلى صفحات عديدة سميت "التنسيقيات" والتي كان ينسق الشباب فيما بينهم وبأسماء مستعارة غالباً للاتفاق على مواعيد المظاهرات وعلى مواعيد أخرى، بدأت فيما بعد تتعلق بكل ما يخص الثورة السورية، حتى العمل العسكري أصبح جزءاً من هذا التواصل والتنسيق.
وعرف الجميع الكثير من فوائد فيسبوك وتأثيراته الإيجابية في نشر أخبار الثورة وروابط الأفلام المرئية التي ملأت صفحات هذا الموقع الضخم، والذي غدت صفحاته مصدراً لمعلومات الكثير من وكالات الأنباء، بعد أن كان وسيلة للتواصل الاجتماعي بين الأشخاص، ليتحول من وسيلة ترفيهية إلى وسيلة عملية تسعى لتحقيق أهداف شعبية أحيانا.